للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوعيد!

والمصيبة أن كثيرًا من الآباء لا يستحضر هذا الوعيد الشديد الذي ترجف له القلوب، ولا يعير مسؤوليته عن تربية أولاده أي اهتمام، بل قصرها على تربية أبدانهم فقط، بتوفير الأكل والمتاع لهم. وانشغل عنهم بما لا ينفعه ولا ينفعهم، بإزجاء الأوقات باللهو والغفلات، والتنقل في الأسفار والفلوات، وبين المتنزَّهات والاستراحات، أو بالركض وراء الدنيا، وجمع حطامها، والمكاثرة فيها، مما لا تدعو الحاجة إليه، أو ربما انشغل بما هو أسوأ من ذلك، متناسيًا أن أولاده له غدًا بالمرصاد: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس ٣٤ - ٣٧].

وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «كل مولودٍ يُولد على الفِطرة، فأبواه يهوِّدانه، أو ينصِّرانه، أو يمجِّسانه» (١).

فقوله: «فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه» معناه: أنهما ينحرفان به عن الفطرة إلى ما هما عليه من الديانة: اليهودية، أو النصرانية، أو المجوسية.

أو أنهما يهملان تربيته، وينشغلان عنه، كما هو حال كثير من الآباء، فينحرف عن الفطرة، ويتلقف أي ديانة كانت؛ يهودية، أو نصرانية، أو مجوسية، أو غير ذلك، من إلحادٍ، أو غلوٍّ، أو إفراط، أو تفريط، أو انحلال وفساد أخلاق، أو غير ذلك.

أو أنهما يربيانه على غير فطرة الله التي فطر الله الناس عليها؛ لأن من الآباء من يكون قدوة سيئة لأولاده، بارتكابه المعاصيَ والمُوبِقات بمرأى ومنظر منهم؛ من ترك الصلاة، أو ترك صلاة الجماعة، أو عقوق والديه، أو قطيعة رحمه، أو التعامل بالربا ونحوه، أو الظلم للناس والأذية لهم، أو تعاطي الدخان والمخدرات، أو غير ذلك.

مما يجعل الأولاد ينشؤون على هذا فتنتكس فطرهم، فلا يرون بأسًا في ترك الواجبات، أو ارتكاب المحرمات، ونحو ذلك.


(١) أخرجه مالك في الجنائز (١/ ٢٤١)، والبخاري في الجنائز (١٣٥٨، ١٣٥٩)، ومسلم في القدر (٢٦٥٨)، وأبو داود في السنة (٤٧١٤)، والترمذي في القدر (٢١٣٨) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.

<<  <   >  >>