للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الشاعر:

إذا كان ربُّ البيتِ بالدفِّ ضاربًا … فشيمةُ أهل البيتِ كلِّهم الرقصُ (١)

كما أن من الآباء من يغرس في قلوب أولاده- بعد أن كانت سليمة- بذور الثارات والعداوات والتفاخر بالأحساب والأنساب، ويذكر لهم ما جرى في غابر الزمان بين القبائل بسبب ذلك، فيحيي في أولاده رُوح العصبية المقيتة؛ عصبية الجاهلية، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «دعوها فإنها مُنْتِنة» (٢).

ومنهم من يذكر لأولاده ما حصل فيما مضى بين الأقارب والأجداد والأعمام وأبنائهم والأخوال وغيرهم، مما ليس في ذكره إلا فساد القلوب، وإيغار الصدور، وإثارة الأحقاد والضغائن، والخسران المبين، والبعد عن الطريق المستقيم.

كما أن من الآباء من يحمل أولاده على التعلق بالدنيا والافتتان بها، بشدة حرصه وتحريصه لهم عليها، وجعله أكثر تشجيعهم وتوجيههم إليها، مما يغرس في قلوبهم حبها، والإقبال عليها إقبالًا قد يضر بآخرتهم، وقد قال الله -عز وجل-: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: ٧٧]، وهؤلاء عكسوا الأمر.

وكأن كثيرًا منهم يخشى الفقر على أولاده، مع ما هو فيه- هو وأبناؤه- من نعمة وخير، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتُهلككم كما أهلكتهم» (٣).

والخلاصة أن فساد كثير من الأولاد بسبب والديهم.

فكم من أولاد انحرفوا عن الفطرة وضلوا بسبب اقتدائهم بآبائهم الضالين!


(١) البيت مجهول النسبة، انظر: «معجم اللغة العربية المعاصرة» للدكتور: أحمد مختار عمر (١/ ٢٦٧، ٢/ ٨٤٢)، و «مشكلة السرف في المجتمع المسلم» لعبد الله بن إبراهيم الطريقي ص (١١٣).
(٢) أخرجه البخاري في تفسير القرآن (٤٩٠٥)، ومسلم في البر والصلة (٢٥٨٤)، والترمذي في تفسير القرآن (٣٣١٥)، وأحمد ٣/ ٣٣٨ (١٤٦٣٢) من حديث جابر -رضي الله عنه-.
(٣) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار (٤٠١٥)، ومسلم في الزهد والرقائق (٢٩٦١)، والترمذي في صفة القيامة (٢٤٦٢)، وابن ماجه في الفتن (٣٩٩٧) من حديث عمرو بن عوف الأنصاري -رضي الله عنه-.

<<  <   >  >>