للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي يفسد عليه حياته، ويجعل عمره كله يضيع في مَهَبِّ الريح، بالأسفار، والتنزهات، والخلوات، والفلوات بعيدًا عن مسجده، وعن والديه، وعن زوجته وأولاده وأقاربه وجيرانه، بعيدًا عن محيطه ومجتمعه.

قال بعض السلف: «مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا ألذَّ ما فيها»، قيل: وما ألذ ما فيها؟ قال: «معرفة الله والأُنس به» (١).

وقال الحسن: «تفقدوا حلاوة الإيمان في ثلاث: في الصلاة، وذِكر الله، وقراءة القرآن، فإن لم تجدوها فاعلموا أن الباب مغلَق» (٢).

نعم، والله، هنا اللذة، هنا الحلاوة، هنا الحياة الطيبة، هنا السعادة؛ ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «مَن أراد السعادة الأبديَّة، فلْيَلْزَمْ عتبة العبوديَّة» (٣).

وقال -رحمه الله-: «إن في الدنيا جنةً، من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة» (٤).

فقل لمن يسابق في زيادة رصيده في البنك: قد سبقك الفقير الذي يسارع في زيادة رصيده عند الله تعالى من الأعمال الصالحة!

وقل لمن يسابق ليكون أعلى الناس مرتبةً وجاهًا في الدنيا: قد سبقك من هو أشعث أغبر ذو طِمرين، لو أقسم الله لأَبَرَّه!

وقل لمن يسابق ليطأ بقدمه كثيرًا من بلاد العالم، والمنتزَّهات والمصائف: قد سبقك من يسابق إلى المساجد، وإلى الحرمين الشريفين!

قال الشاعر:

ولستُ أرى السعادةَ جمعَ مالٍ … ولكنَّ التقيَّ هو السعيدُ

وتقوى الله خيرُ الزادِ فخرًا … وعند اللهِ للأتقى مَزيدُ (٥)


(١) أخرج أبو نعيم في «حلية الأولياء» (٨/ ١٦٧) نحوه عن ابن المبارك، وانظر «الداء والدواء» (١/ ١٨٦)، «إغاثة اللهفان» (١/ ١١٩) لابن القيم.
(٢) انظر: «مدارج السالكين» (٢/ ٣٩٦).
(٣) انظر: «مدارج السالكين» (١/ ٤٢٩).
(٤) انظر: «الوابل الصيب من الكلم الطيب» ص (٦٩).
(٥) البيتان للحطيئة. انظر: «ديوانه» ص (٣٢١).

<<  <   >  >>