للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المترتبة على هذه الأحكام؛ لأن الإنسان إذا فتح الله عليه معرفة الحكم، والأحكام الشرعية ازداد إيمانًا ويقينًا، وعرَفَ بذلك سمو الشريعة الإسلامية، وأنها لا تأمر إلا بخير ولا تنهى إلا عن شر».

وتدبر القرآن بالعمل به لا يُعذر بتركه أحد؛ لأنه هو المقصود بالأمر بالتدبر، ومن تدبر ألفاظ القرآن ومعانيه دون تدبر أحكامه والعمل به، لم ينفعه ذلك، بل كان ذلك حجة عليه، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه: .... ورجل تعلم العلم وعلَّمه وقرأ القرآن، فأُتي به فعرَّفه نِعَمَه فعرفها، قال: فما عمِلت فيها؟ قال: تعلمتُ العلمَ وعلَّمتُه وقرأت فيك القرآن، قال: كذبتَ، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار» (١).

قال الشاعر:

وعالم بعلمِه لم يَعْمَلَنْ … مُعذَّبٌ من قبلِ عُبَّادِ الوَثَن (٢)

وقد اعتنى بعض طلبة العلم بالحث على تدبر ألفاظ القرآن ومعانيه أكثر من العناية والحث على ثمرة التدبر وغايته، وهو تدبر أحكامه والعمل به، مما جعل البعض يظن أن التدبر ثقافة قرآنية فقط.

وفي هذا خلل عظيم؛ فإن من تدبر ألفاظ القرآن ومعانيه دون تدبر أحكامه والعمل به لا يُعد متدبرًا، ولا ينفعه ذلك، وكان حجةً عليه، كما سبق بيان ذلك.

قال الحسن البصري -رحمه الله-: «نزل القرآن ليُتدبر ويُعمل به، فاتخذوا تلاوته عملًا» (٣).

وقال أيضًا: «إنّ أولى الناس بالقرآن من اتبعه، وإن لم يكن يقرؤه» (٤).


(١) أخرجه مسلم في الإمارة (١٩٠٥)، والنسائي في الجهاد (٣١٣٧)، والترمذي في الزهد (٢٣٨٢)، وأحمد ٢/ ٣٢١ (٨٢٧٧).
(٢) البيت لابن رسلان الشافعي. انظر: «غاية البيان، في شرح زبد ابن رسلان» ص (٤)، و «صيد الأفكار، في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال» (١/ ٣٤).
(٣) «مدارج السالكين» (١/ ٤٥١).
(٤) «المرشد الوجيز» لأبي شامة (ص ١٤٦).

<<  <   >  >>