للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولزوجك عليك حقًّا، ولزَوْرِك عليك حقًّا، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه» (١).

وأساس العدل التوحيد، وهو عام في أداء جميع حقوق الله تعالى، وحقوق الخلق.

والأدلة الدالة على وجوب العدل، والنهي عن ضده، من الجور والظلم دالة على وجوب الإنصاف من النفس من باب أولى؛ لأن أعدل العدل الإنصاف من النفس، وقول الحق على النفس ولو كان مرًّا.

والإنصاف من النفس مركب صعب، لا يستطيعه، ولا يلقاه إلا ذو حظ عظيم، اختاره الله تعالى، واصطفاه ووفقه.

فكم من إنسانٍ يستطيع قيام الليل، وصيام النهار، وإنفاق الأموال في أعمال البر، والقيام بكثير من الطاعات، لكنه يقف عاجزًا عن الإنصاف من نفسه، وإن ادعى ذلك، فهو كما قيل (٢):

وكلٌّ يَدَّعي وصلًا بليلى … وليلى لا تُقِرُّ لهم بِذَاكَا

وصدق القائل (٣):

ومن قلةِ الإنصافِ أنك تَبتغي الـ … مهذبَ في الدنيا ولستَ المهذبا

عن المَعرور بن سُويد -رضي الله عنه- قال: لقِيتُ أبا ذر بالرَّبَذَة، وعليه حُلة، وعلى غلامه حلة، فسألتُه عن ذلك، فقال: إني ساببتُ رجلًا فعيرتُه بأُمه، فقال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يا أبا ذرٍّ، أعيرتَه بأُمِّه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خَوَلُكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فلْيطعمه مما يَطعَم، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم من الأعمال ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم» (٤).


(١) أخرجه البخاري في الصوم (١٩٦٨)، وفي الأدب (٦١٣٩)، والترمذي في الزهد (٢٤١٣) من حديث أبي جحيفة -رضي الله عنه-.
(٢) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية ٤/ ٧١.
(٣) البيت لابن الرومي. انظر: «الخصائص الواضحة» صـ ٥٤٦، «زهر الأكم» ١/ ٣٠١.
(٤) أخرجه البخاري في الإيمان (٣٠)، ومسلم في الإيمان (١٦٦١)، وأبو داود في الأدب (٥١٥٧، ٥١٥٨)، والترمذي في البر والصلة (١٩٤٥)، وابن ماجه في الأدب (٣٦٩٠).

<<  <   >  >>