للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [الحديد: ٢١].

وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: ١٠، ١١]، وقال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: ٢٦].

ونعمت المسابقة والمسارعة والمنافسة والله المستعان. وقد أحسن القائل:

ولم أجد الإنسان إلا ابن سعيه

فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرَا

فلم يتأخر من أراد تقدمًا

ولم يتقدم من أراد تأخرَا (١)

أخي في الله لا يغرك ما عليه كثير من الناس من المنافسة على أمور الدنيا الفانية، والزهد فيما دعاهم الله إليه من المنافسة والمسارعة والمسابقة فيما فيه سعادة الدارين من الأعمال الصالحة، وتأمل قول الله -عز وجل-: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: ١٠٣]، وقوله تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: ١١٦]، وقوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: ١٣]، وقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: ٢٤].

قال بعض السلف: «لا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين، ولا تستوحش من الحق لقلة السالكين» (٢).

فخذ أخي في الله نفسك بالجد والمنافسة والمسابقة والمسارعة في الخير، ولا تنس نصيبك من الدنيا، واعلم أن الغبطة حقًّا في العمل الصالح، الذي هو صمام الأمان وسر السعادة في الدنيا والآخرة، فاجعل منافستك في ذلك.

قال بعض السلف: «إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا، فنافسه في الآخرة» (٣).


(١) هذان البيتان لابن هانئ، انظر: «ديوانه» ص ١٤٠.
(٢) انظر: «مدارج السالكين» (١/ ٤٦)، وقد ذُكر نحو من هذا عن الفضيل بن عياض -رحمه الله-. انظر: «الأذكار» للنووي ص (١٩٦)، و «الآداب الشرعية» (١/ ٢٦٣)، وذكر نحوه عن سفيان بن عيينة. انظر: «الزهد الكبير» للبيهقي ص ١٣١ (٢٣٨ - ٢٣٩).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» ١٩/ ٣٦٩ (٣٦٣٥١)، وأحمد في «الزهد» (١٢٢٤)، وابن أبي الدنيا في «الزهد» (٥٥٣)، وفي «ذم الدنيا» (٤٦٥) عن الحسن.

<<  <   >  >>