كن سباقًا إلى المساجد، وإلى أداء الواجبات؛ من حقوق الله وحقوق الخلق، كن ورعًا مبتعدًا عن محارم الله. وإذا رأيت من ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة.
واعلم وفقك الله أن الغبن في هذا ليس باليسير، بل لا يكاد يوصف، وفرق ما بين الثرى والثريا، وكما قيل:
سوف ترى إذا انجلى الغبار
أفرسٌ تحتك أم حمارُ (١)
واعلم أن الخسارة في هذا لا تشبهها خسارة، فالخسارة الكبرى والمصيبة العظمى، والكسر الذي لا يمكن جبره أن يصاب الإنسان في دينه فيخسر دنياه وآخرته ونفسه وأهله وولده وماله وكل شيء، كما قال -عز وجل-: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}[الزمر: ١٥].
واعلم أن الربح في هذا لا يقدر ولا يحد، بل هو سعادة الدنيا والآخرة، نسأل الله تعالى من فضله التوفيق للإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. فهذا غاية الربح، وهذا تمام النعمة الذي عناه الله -عز وجل- بقوله تعالى:{وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ}[البقرة: ١٥٠]، وبقوله تعالى:{وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}[المائدة: ٣].
وهو طريق الذين أنعم الله عليهم النعمة الحقيقية، كما قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (٦٩) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} [النساء: ٦٩، ٧٠].
وهو الهداية المنشودة لعباد الله بقولهم: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: ٦، ٧].
فقف أخي- بارك الله فيك- على مفترق هذين الطريقين وتأمل ببصيرة وحضور قلب، وقارن وقلّب الفكر والنظر عسى أن يظهر لك ويتبين البون الشاسع والفرق الواسع فتجتنب طريق أهل الخسران، وتلزم طريق أهل الربح والسعادة والإنعام وما أراك تعدل به طريقًا. وفقك الله.