للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعلم- أخي الكريم- أن الربح والسعادة مطلب لكل أحد، فكل يسعى بحثًا عن ذلك، لكن المؤسف حقًّا: كم هم الذين عرفوا طريق السعادة حقًّا؟

سؤال يطرح نفسه، وجوابه باختصار:

أن السواد الأعظم من الناس جهلوا طريق السعادة، بل طلبوها في غير مظانها فصدق فيهم قول الشاعر:

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها

إن السفينة لا تجري على اليبس (١)

ففئام من الناس حسبوا الربح والسعادة بالسعي لتحقيق شهوات النفس، وإرخاء العنان لها في ذلك، ولو كان بما حرم الله، كالفجور وشرب الخمور والغناء والمجون ونحو ذلك، وأين لهؤلاء الربح والسعادة، وقد طلبوهما بما يحقق الخسران والشقاوة؟!

وفئام من الناس حسبوا الربح والسعادة في الانهماك بالمباحات فهم يلهثون وراء جمع المال، وتنويع المآكل والمشارب، واختيار الملابس الأنيقة، والفرش الوثيرة، والمساكن المزخرفة، والمراكب الفاخرة والموضات والموديلات والمخترعات والأسفار والتنقلات بين الدول والبلدان بحثًا عن الأجواء اللطيفة المعتدلة، والحدائق الغناء والمناظر الجميلة والآثار القديمة والملاعب والملاهي، وهؤلاء أيضًا أخطؤوا طريق السعادة وحرموا منها، فلم يذوقوا لها طعما.

وأقول لأولئك وهؤلاء ولنفسي ولكل من يطلب الربح والسعادة حقًّا: أبى الله أن يكون الربح والسعادة إلا بالإيمان والعمل الصالح تحت مظلة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٤].

قال بعض السلف: «مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا ألذَّ ما فيها!»، قيل: وما ألذّ ما فيها؟ قال: معرفة الله والأنس به» (٢).


(١) البيت لأبي العتاهية وهو في ديوانه ص ١٩٤.
(٢) أخرج أبو نعيم في «حلية الأولياء» (٨/ ١٦٧) نحوه عن ابن المبارك، وانظر: «الداء والدواء» (١/ ١٨٦)، و «إغاثة اللهفان» (١/ ١١٩) لابن القيم.

<<  <   >  >>