وعلامة سعادته: أن يعكس فكره ونظره على نفسه وذنوبه وعيوبه، فيشتغل بها، وبإصلاحها، وبالتوبة منها، فلا يبقى فيه فراغ لتدبر ما نزل به، بل يتولى هو التوبة، وإصلاح عيوبه، والله يتولى نصرته وحفظه والدفع عنه ولا بد، فما أسعده من عبد! وما أبركها من نازلة نزلت به! وما أحسن أثرها عليه! ولكن التوفيق والرشد بيد الله، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، فما كل أحد يوفق لهذا، لا معرفة به، ولا إرادة له، ولا قدرة عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
السبب الثامن: الصدقة والإحسان ما أمكنه، فإن لذلك تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء، ودفع العين، ودفع الحسد، ولو لم يكن في هذا إلا تجارِب الأمم قديمًا وحديثًا لكفى به، فما تكاد العين والحسد والأذى يتسلط على محسن متصدق، وإن أصابه شيء من ذلك كان معاملًا فيه باللطف والمعونة والتأييد، وكانت له فيه العاقبة الحميدة، فالمحسن المتصدق في خفارة إحسانه وصدقته، عليه من الله جنة واقية، وحصن حصين.
وبالجملة: فالشكر حارس النعمة من كل ما يكون سببًا لزوالها، فما حرس العبد نعمة الله عليه بمثل شكرها، ولا عرضها للزوال بمثل العمل فيها بمعاصي الله، وهو كفران النعمة، وهو باب إلى كفر المنعم.
فالمحسن المتصدق يستخدم جندًا وعسكرًا يقاتلون عنه وهو نائم على فراشه.
السبب التاسع: وهو من أصعب الأسباب على النفس وأشقها عليها، ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله، وهو إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذًى وشرًّا وبغيًا وحسدًا ازددتَّ له إحسانًا، وله نصيحة، وعليه شفقة، وما أظنك تصدق بأن هذا يكون، فضلًا عن أن تتعاطاه، فاسمع الآن قول الله -عز وجل-: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: ٣٤ - ٣٦].