للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا مع أنه لا بد له من عدوه وحاسده من إحدى حالتين:

إما أن يملكه بإحسانه فيستعبده وينقاد إليه ويذل له … وإما أن يفتت كبده، ويقطع دابره إن أقام على إساءته إليه، فإنه يذيقه بإحسانه أضعاف ما ينال منه بانتقامه، ومن جرب هذا عرفه حق المعرفة.

السبب العاشر: وهو الجامع لذلك كله، وعليه مدار هذه الأسباب، وهو تجريد التوحيد، والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم، قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [الأنعام: ١٠٧].

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس -رضي الله عنهما-: «واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك» (١).

فإذا جرد العبد التوحيد فقد خرج من قلبه خوف ما سواه، وكان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع الله، وتجرد لله محبة وخشية وإنابة وتوكلًا واشتغالًا به عن غيره والله يتولى حفظه والدفع عنه، فإن الله يدافع عن الذين آمنوا، وبحسب إيمان العبد يكون دفع الله عنه، فإن كمل إيمانه دفع الله عنه أتم دفع، وإن مزج مزج له، وإن كان مرة ومرة فالله له مرة ومرة.

كما قال بعض السلف: «من أقبل على الله بكليته أقبل الله عليه جملة، ومن أعرض عن الله بكليته أعرض الله عنه جملة، ومن كان مرة ومرة فالله له مرة ومرة».

فالتوحيد حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين.

قال بعض السلف: «من خاف الله خافه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه كل شيء».

قال ابن القيم (٢) -رحمه الله- بعد أن ذكر هذه الأسباب: «هذه عشَرة أسباب يندفع بها شر الحاسد والعائن والساحر، وليس له أنفع من التوجه إلى الله، وإقباله عليه وتوكله عليه وثقته به، وألا يخاف معه غيره، بل يكون خوفه منه وحده، ولا يرجو سواه، بل يرجوه


(١) سبق تخريجه.
(٢) انظر: «التفسير القيم» ص ٥٩٤.

<<  <   >  >>