للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: «لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار» (١).

فإن عجز عن إيقاعه في هذه المرتبة دعاه إلى المرتبة الخامسة؛ وهي: الانشغال بالمباحات؛ من المآكل والمشارب وتزجية الأوقات بالنزه في المصايف والاستراحات والسياحة هنا وهناك إيثارًا للشهوات ورغبات النفس، وبهذا ضاعت كثير من أعمار الخلق.

بل أدى ذلك بالكثيرين إلى التقصير في الواجبات، والتفريط في حق الله وحقوق الخلق؛ كالوالدين والأزواج والأولاد والأقارب والجيران، وحقوق الأمة؛ بل أدى إلى التفريط في حق النفس، وعدم أخذها بالحزم في أداء الواجبات، والبعد عن المنهيات، والنظر في كتاب الله، وفي سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- الذي هو الغذاء الروحي للنفس، والذي لا حياة للقلوب إلا به.

ولعمر الله! لقد خرج الناس بهذه المباحات عن الحد حتى ضاعت أعمار وأعمال وأموال، ونسي كثير من الناس أن الدنيا مزرعة للآخرة، وأن الحياة ميدان مسارعة، ومسابقة ومنافسة للفوز بتلك الدار، وأن الأيام والليالي خزائن للأعمال.

فكم من حقوق لله -عز وجل- ضيعت وفرطت فيها؛ كالصلاة وغيرها؛ بسبب الركض وراء هذه المباحات!

وكم من حقوق للخلق وللأمة أهدرت بسبب ذلك!

فكم من والد مقعد على أحر من الجمر يتمنى أن يرى أولاده معه على مائدة طعام، أو أن يكون بجانبه أحد أولاده لتهيئة القهوة له أو لضيوفه ولكن هيهات! فالأولاد كلهم مشغولون بلا شغل في الفلوات والخلوات والاستراحات والذهاب يمينًا وشمالًا وهنا وهناك، والمحصلة صفر. والله المستعان.

وكم من زوجة تنتظر زوجها بفارغ الصبر إلى ساعة متأخرة من الليل ولو حرك الهواء أحد الأبواب أو مرّ بها قط وهي غافلة طار عقلها خوفًا وفزعًا وزوجها مشغول


(١) أخرجه الطبري في «جامع البيان» (٦/ ٦٥١)، وابن المنذر في «تفسيره» ٦/ ٦٧١ (١٦٧٠)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» ٣/ ٩٣٤ (٥٢١٧).

<<  <   >  >>