للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خارج البيت بلا شغل، ولو جاء وهي نائمة لأوسعها سبًّا وشتمًا، إن لم يضربها أو يهددها بالضرب والطلاق!

وكم من أولاد- هم فلذات الأكباد- ليس لهم نصيب من جلوس والدهم بينهم وتربيته لهم وحنانه عليهم، بل ربما ليس لهم نصيب من رؤيته إلا النزر القليل يأتي إلى البيت وهم نائمون ويخرج في الصباح إلى العمل، وإذا جاء من العمل تناول غداءه على وجه السرعة ثم انطلق خارج البيت إلى هَوِىٍّ من الليل وهكذا!

وكم من أقارب وجيران وأخوات وإخوان أضحت حقوقهم في خضم النسيان بسبب ما ذكر!

وكم من مسؤوليات عامة أو خاصة ضُيعت وفرط فيها بسبب هذه الأحوال!

وكم من شخص صار قلبه خواء مظلمًا خربًا لخلوه من الغذاء الروحي؛ من الذكر وقراءة القرآن والسنة وتدبر ما فيهما من المعاني والأحكام بسبب انغماسه في هذه الأوحال وانشغاله بها!

وصدق الله العظيم: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: ١٢٢].

وقال تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: ٤٦].

فإن عجز الشيطان عن شغل العبد بالمباحات دعاه إلى المرتبة السادسة؛ وهي: الاشتغال بالمفضول عما هو أفضل منه؛ ليفوت عليه ثواب العمل الفاضل، ويزيح عنه الفضيلة ويقلل من فضله وثوابه، فيظن أن هذا الداعي من الله لاعتقاده أن هذا خير، وأن الشيطان لا يأمر بخير، فيقول: هذا الداعي من الله.

قال ابن القيم (١): «ولم يصل علمه إلى أن الشيطان يأمر بسبعين بابًا من أبواب الخير، إما ليتوصل إلى باب واحد من الشر، وإما ليفوت بها خيرًا أعظم من تلك السبعين بابًا وأجل وأفضل .. ».


(١) انظر: «التفسير القيم» ص ٦١٢ - ٦١٣.

<<  <   >  >>