للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقرنه -عز وجل- بصفات المسارعين إلى مغفرته -عز وجل- وجنته، المتقين المنفقين، الكاظمين الغيظ، المحسنين، الذين يحبهم الله -عز وجل-، فقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: ١٣٣، ١٣٤].

وقرنه -عز وجل- بالإصلاح، فقال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: ٤٠].

وجعله -عز وجل- من الصبر الذي هو شطر الإيمان، فقال تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: ١٢٦].

وهو من صفات المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} [التحريم: ٣]؛ أي: عفا وتغافل عن بعضٍ صلواتُ الله وسلامُه عليه.

ولهذا كان -صلى الله عليه وسلم- يقول: «اللهم اغفِرْ لقومي فإنهم لا يعلمون» (١)، وفي المغفرة عفو وسَتر.

ولما سأله مَلَكُ الجبال أن يُطبِق عليهم الأَخْشَبَيْنِ، قال: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم مَن يَعبُدُ الله وحدَه، لا يشرك به شيئًا» (٢)

ولما دخل مكة فاتحًا عفا -صلى الله عليه وسلم- عن قريش.

وعفا عن غَوْرَث بن الحارث الذي استلَّ سيفه من الشجرة وأراد قتله (٣).

ونزل عليه -صلى الله عليه وسلم- ثمانون رجلًا من التنعيم يريدون قتله، فعفا عنهم لَما قَدَرَ عليهم (٤).

وقد تكفل -عز وجل- بأجر من عفا وأصلح، فقال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}


(١) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (٣٤٧٧)، وفي استتابة المرتدين (٦٩٢٩)، ومسلم في الجهاد والسير (١٧٩٢)، وابن ماجه في الفتن (٤٠٢٥)، وأحمد ١/ ٣٨٠ (٣٦١١) من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.
(٢) أخرجه البخاري في بدء الخلق (٣٢٣١)، ومسلم في الجهاد والسير (١٧٩٥) من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
(٣) أخرجه البخاري في الجهاد والسير (٢٩١٠)، وفي المغازي (٤١٣٥، ٤١٣٦، ٤١٣٩)، ومسلم في صلاة المسافرين (٨٤٣)، وأبو داود في الطهارة (١٩٨)، وأحمد ٣/ ٣٦٤ (١٤٩٢٨) من حديث جابر -رضي الله عنه-.
(٤) أخرجه مسلم في الجهاد والسير (١٨٠٨)، وأحمد ٣/ ١٢٢ (١٢٢٢٧) من حديث أنس -رضي الله عنه-.

<<  <   >  >>