للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا يدل على وجوب الصلاة جماعةً من وجهين؛ الأول: تفقده -صلى الله عليه وسلم- للمصلين، والثاني: وصفه المتخلفين عن الصلاة جماعةً بالمنافقين.

١٤ وعن مجاهد، قال: سئل ابن عباس -رضي الله عنهما- عن رجلٍ يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يشهد جمعةً ولا جماعة، فقال: «هو في النار» (١).

١٥ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- طول حياته داوم على صلاة الجماعة، وحافظ عليها، ولم يتركها لا حَضَرًا ولا سَفَرًا، وكان -صلى الله عليه وسلم- يكون في حاجة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة (٢).

وهكذا كان الصحابة -رضي الله عنهم- من بعده، والتابعون، وتابعوهم، وهم القرون المفضَّلة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» (٣).

١٦ أن الله -عز وجل- قد أذِن وأمر برفع المساجد، ببنائها وتشييدها حسيًّا، ورفعها بعمارتها معنويًّا بالصلاة، وذِكر الله تعالى فيها، فقال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (٣٦) رِجَالٌ} [النور ٣٦، ٣٧].

فلو كانت صلاة الجماعة غير واجبة، لما أمر ببناء المساجد، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ} [التوبة: ١٨].

فامتدح -عز وجل- عُمَّار المساجد بحصر الإيمان بالله، واليوم الآخر، وإقام الصلاة، وإيتاء


(١) أخرجه الترمذي في الصلاة (٢١٨)، وعبد الرزاق في «المصنف» ١/ ٥١٩ (١٩٨٩، ١٩٩٠)، وابن أبي شيبة في «المصنف» ٣/ ١٩٩ (٣٤٩٤)، ٤/ ١٧١ (٥٥٨٣).
وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه عليه: «هذا إسناد صحيح، وهذا الحديث وإن كان موقوفًا ظاهرًا على ابن عباس، إلا أنه مرفوع حكمًا؛ لأن مثل هذا مما لا يُعلم بالرأي، وليس من القصص ينقل عن أهل الكتاب وغيرهم، ولا يجزم ابن عباس في رجل يصوم النهار ويقوم الليل بأنه في النار إلا عن خبر عنده عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن شاء الله».
(٢) أخرجه البخاري (٦٧٦)، وأحمد في مسنده (٢٤٢٢٦).
(٣) أخرجه البخاري في الشهادات (٢٦٥٢)، ومسلم في فضائل الصحابة (٢٥٣٣)، والترمذي في المناقب (٣٨٥٩)، وابن ماجه في الأحكام (٢٣٦٢) من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.
وأخرجه البخاري في الشهادات (٢٦٥١)، ومسلم في فضائل الصحابة (٢٥٣٥)، وأبو داود في السنة (٤٦٥٧)، والنسائي في الأيمان والنذور (٣٨٠٩)، والترمذي في الفتن (٢٢٢١) من حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه-.

<<  <   >  >>