للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تفضُل صلاةٌ في الجميع على صلاة الرجل وحده خمسًا وعشرين درجةً» (١).

وأحاديث المفاضلة لا حجة فيها على عدم وجوب صلاة الجماعة؛ لأن المفاضلة بين صلاة الجماعة وصلاة الفذ لا تدل على عدم وجوب صلاة الجماعة، كيف وقد فاضل الله -عز وجل- بين الإيمان أوجب الواجبات، وبين الكفر، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف: ١٠، ١١]، أفيقول قائل: إن الإيمان ليس بواجب؛ لأن الله فاضل بينه وبين الكفر؟ لا أحد يقول هذا.

كما أن المفاضلة قد ترِد بين أمرين ليس في أحدهما شيء من الفضل، كما في قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: ٢٤]، ففاضل -عز وجل- بين مستقر أهل الجنة ومَقِيلهم، وبين مستقر أهل النار ومقيلهم، مع أنه لا شيء من الفضل البتة في مستقر أهل النار ومقيلهم.

وهكذا نص كثير من السلف، والعلماء المحققين على أن صلاة الجماعة فرض واجب على الأعيان. قال عطاء بن أبي رباح -رحمه الله-: «فحق واجب لا بد منه، ولا يحل غيره إذا سمع الأذان أن يأتي ويشهد الصلاة» (٢).

وقال ابن قُدامة -رحمه الله-: «وهي- أي: صلاة الجماعة- واجبة للصلوات الخمس على الرجال» (٣).

وقال ابن القيم -رحمه الله- (٤): «ومن تأمَّل السنة حق التأمل تبين له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة، فترك حضور المسجد


(١) أخرجه مالك في صلاة الجماعة (١/ ١٢٩)، والبخاري في الصلاة (٤٧٧)، وفي الأذان (٦٤٨)، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة (٦٤٩)، وأبو داود في الصلاة (٥٥٩)، والنسائي في الصلاة (٤٨٦)، والترمذي في الصلاة (٢١٦)، وأحمد ٢/ ٢٣٣ (٧١٨٥).
(٢) «مختصر الفتاوى المصرية» (ص ٥٠).
(٣) «المقنع» ١/ ١٩٣.
(٤) في كتاب: «الصلاة وحكم تاركها» صـ ٨٩.

<<  <   >  >>