درجات السابقين والسبق إلى منازل المقربين: حيوة بن قيس الحراني - رضي الله تعالى عنه - كان من أجلاء المشايخ العارفين وأعيان الصفوة المحققين، أحد أركان هذا الشأن وعلم العلماء الأعيان، صاحب التصريف النافذ في الوجود، والقدم الراسخ وعظيم الفضل النابع من عين الوجود، وهو أحد الأربعة الذين قال فيهم الشيخ أبو الحسن القرشي: إن أربعة من المشايخ يتصرفون في قبورهم كتصرف الأحياء: الشيخ معروف الكرخي، والشيخ عبد القادر الجيلي، والشيخ عقيل المنبجي، والشيخ حيوة بن قيس الحراني - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - انتهت إليه رئاسة هذا الأمر علماً وحالاً وزهداً واجلالاً، تزكى في تربيته كثير من المريدين بالرياضات، وتخرج بصحبته غير واحد من أهل المقامات، وتلمذ له جماعة كثيرة من أصحاب الأحوال والكرامات، وأشار إليه المشايخ والعلماء وغيرهم بالتبجيل، وانتهى إليه عالم عظيم ونال العطاء الجزيل. ومن كلامه رضي الله عنه: قيمة القشور بلبابها وقيمة الرجال بألبابها، وعز العبيد بأربابها وفخر المحبة بأحبابها. ثم قال: آثار المحبة إذا بدت أماتت قوماً وأحيت أسراراً، ونفت أشراراً وأنارت أسراراً. ثم أنشد:
وإذا الرياحمع العشي تناوحتأسهرن حاسده وهجن غيورا
وأمتن ذا بوجود وجد دائم ... وأقمن ذا، وكشفن عنه ستورا
ومنه المحبة تعلق القلب بين الهيبة والأنس، وهي سمة الطائفة وعنوان الطريقة، ووسيلة إلى رؤية المحبوب وهيمان إلى لقاء المطلوب. وكان رضي الله تعالى عنه يتمثل بهذه الأبيات:
مواجيد حق، أوجد الحق كلها ... وإن عجزت عنها فهوم الأكابر
وما الحب إلا خطرة ثم نظرة ... ينشي لهيباً بين تلك السرائر
إذا سكن السر السريرة ضوعفت ... ثلاثة أحوال لأهل البصائر
فحال بعيد السر عن كنه وجده ... ويحضره للشوق في حال حائر
حاول به رمت ذرى السر وانثنت ... إلى منظراً فناه عن كل ناظر
قلت هكذا في الاصل ثلاثة أحوال، والمفسر منها حالان دون الثلاث. وله رضي الله تعالى عنه من الكرامات وعجائب الآيات ما يذهل العقول وذكر اليسير منه يطول. من ذلك ما حكى الشيخ الصالح غانم بن يعلى التكريتي قال: سافرت مرة من اليمن في البحر المالح، فلما توسطنا بحر الهند وغلب علينا الريح أخذتنا الأمواج من كل جانب، وانكسرت بنا السفينة، فنجوت على لوح منها، فألقاني إلى جزيرة، فطفت فيها،