ديناً وأمانة من هؤلاء القضاة، لكنه اشتهر بالغناء، وغلب على جمع علوم مع صغرها عنده ولم يكن له فيه نظير. وله نظم جيد وديوان شعر، فمن شعره ما كتبه إلى هارون الرشيد.
وآمرة بالبخل قلت لها اقصري ... فليس إلى ما تأمرين سبيل
أرى الناس خلال الجواد ولا أرى ... بخيلاً في العالمين خليل
وإني رأيت البخل يزري بأهله ... فكرمت نفسي أن يقال بخيل
ومن خير حالات الفتى لو علمت ... إذا نال خيراً أن يكون سبيل
عطائي عطاء المكثرين تكرماً ... ومالي كما قد تعلمين قليل
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنا ... ورأي أمير المؤمنين جميل
وكان كثير الكتب حتى قال أبو العباس ثعلب: رأيت الإسحاق الموصلي ألف جزء من لغات العرب، كلها سماعه، وما رأيت اللغة في منزل أحد قط كثر منها في منزل إسحاق منزل ابن الأعرابي. وكان المعتصم يقول: ما أغنى في إسحاق بن إبراهيم قط إلا خيل، إلا أنه قد زيد في ملكي، وأخباره كثيرة، وحكاياته شهيرة، وكان قد عمي آخر عمره.
وفيها توفي الإمام أحد الأعلام أبو بكر بن أبي شيبة صاحب التصانيف الكبار. قال أبو زرعة: ما رأيت أحفظ منه، وقال أبو عبيد: فانتهى علم الحديث إلى أربعة: أبي بكر بن أبي شيبة، وهو أسردهم له، وابن معين، وهو أجمعهم له. وابن المديني وهو أعلمهم به وأحمد بن حنبل، وهو أفقههم فيه. وقال نفطويه: لما قدم أبو بكر بن أبي شيبة بغداد في أيام المتوكل، حذروا مجلسه بثلاثين ألفاً.
وفيها: وقيل في سنة سبع وعشرين توفي أبو الهذيل شيخ المعتزلة البصريين المعروف بالعلاف مولى عبد القيس، صاحب مقالات في مذهبهم، ومجالس ومناظرات حسن الجدال، قوي الحجة، كثير الإستعمال للأدلة والإلزامات، توفي وله نحو مائة سنة.
وفيها توفي سريج بن يونس البغدادي، العابد المشهور بالصلاح والأوصاف الملاح، أجد أئمة الحديث جد أبي العباس سريج.
[ست وثلاثين ومائتين]
فيها توفي الحافظ محدث المدينة إبراهيم بن المنذر، والحافظ النسابة الأخبار مصعب بن عبد الله بن مصعب الأسدي الزبيري. قال الزبير: كان عمي مصعب وجه