تعالى:" اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم " - الحجرات ١٢ - وقال النبي صل الله عليه وآله وسلم:" إن الله حرم من المسلم دمه وماله وعرضه وأن يظن به ظن ". ومن زعم أن يزيد أمر بقتل الحسين رضي الله تعالى ورضي به - فينبغي أن يعلم به غاية حماقة، فإن من قتل من الأكابر والوزراء والسلاطين في عصره، لو أراد أحد أن يعلم حقيقة من الذي أمر بقتله، ومن الذي رضي به، ومن الذي - وإن كرهه لم يقدر على ذلك كان قد قتل بجواره وزمانه، وهو يشاهده، فكيف يعلم ذلك فيما أنقضى عليه قريب من أربعمائة سنة في مكان بعيد؟ فهذا لا يعرف حقيقته أصلا، وإذا لم تعرف وجب إحسان الظن بكل مسلم يمكن إحسان الظن به، ومع هذا فالقتل ليس بكفر، بل هو معصية، وربما مات القاتل بعد التوبة، ولو جاز لعن أحد، فسكت عن ذلك، لم يكن الساكت عاصياً، بل لو لم يلعن إبليس طول عمره لا يقال له في القيامة؛ لم لم تلعن إبليس؟ وأما الترحم عليه فإنه جائز، بل مستحب، إذ هو داخل في قوله: اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات. والله أعلم. - كتبه الغزالي -. قلت: ينبغي أن يوضح الأمر في ذلك ويفصل، وهو أنه لا يخلو: إما أن يعلم أنه أمر بقتله، فلا يخلو، إما أن يكون معتقداً جله، أولا، فإن استحله فقد كفر، وإن أمر به ولى يستحله فقد فسق، فليس القتل مقتضياً للكفر، إلا إذا كان قتلاً لنبي، وإن لم يعلم أنه أمر بقتله فلا يجوز أن يفسق بمجرد ظن ذلك والله أعلم.
[سنة خمس وخمس مائة]
فيها جاءت عساكر العراق والجزيرة لغزو الفرنج، فنازلوا الرها، فلم يقدروا، ثم ساروا وقطعوا الفرات، ونازلوا بعض بلاد الفرنج خمسة وأربعين يوماً، فلم يصنعوا شيئاً، واتفق موت مقدمهم واختلافهم، فردوا، وطمعت الفرنج في المسلمين، وتجمعوا، فحاصروا صور مدة طويلة. وفيها كانت ملحمة كبيرة بالأندلس بين ابن تاشفين وبعض ملوك الفرنج، وانتصر المسلمون، وأسروا وقتلوا، وغنموا مالاً يعبر عنه، وذلت الفرنج. وفيها توفي أبو محمد الآبنوسي عبد الله بن علي البغدادي المحدث، سمع من أبي القاسم التنوخي والجوهري.