وحكي أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه دخل مع خصم ذمي الى القاضي شريح، فقام له فقال: هذا أول جورك، ثم أسند ظهره الى الجدار وقال لو أن خصمي كان مسلماً لجلست بجنبه. وروي عنه ايضاً كرم الله وجهه أنه قال: اجمعوا إلي القراء، فاجتمعوا في رحبة المسجد، فقال: اني أوشك أن أفارقكم، فجعل يسألهم ما تقولون في كذا؟ وشريح ساكت، ثم سأله، فلما فرغ منهم قال: اذهب فأنت من أفضل الناس أو قال: من أفضل العرب، وتزوج شريح امرأة من تميم تسمىزينب، فنقم عليها شيئاً فضربها ثم ندم وقال:
رأيت رجالاً يضربون نساءهم ... فشلت يميني لو أضرب زينبا
أأضربها من غير ذنب أتت به ... فما العدل في ضرب من ليس مذنبا
وزينب شمس والنساء كواكب ... اذا طلعت لم تبصر العين كوكبا
ذكر الحكاية صاحب العقد. ويحكى أن زياد ابن أبيه كتب إلى معاوية: يا أمير المؤمنين إني قد ضبطت العراق لشمالي، وفرغت يميني لطاعتك، فولني الحجاز، فبلغ ذلك عبد الله بن عمر وكان بمكة مقيماً فقال: اللهم اشغل يمين زياد، فأصابه الطاعون، او قال الآكلة في يمينه فجمع الأطباء واستشارهم فأشارواعليه بقطعها، فاستدعى القاضي شريحاً المذكور وعرض عليه ما أشار به الأطباء فقال له: لك أجل معلوم ورزق مقسوم وإني لأكره إن كان لك مدة أن تعيش في الدنيا بلا يمين، وان كان قد دنا أجلك أن تلقى ربك مقطوع اليد، فإذا سألك لم قطعتها قلت بغضاً في لقائكك وفراراً من قضائك. قلت يعني قال له لسان حالك، ويحتمل أنه لسان المقال اذا ختم على الأفواه يوم الخزي والنكال، نسأل الله الكريم العفو والسلامة ونعوذ به من الخزي والندامة. قالوا ومات زياد من يومه، فلام الناس شريحاً على منعه من القطع لبغضهم في زياد، فقال: انه استشارني والمستشار مؤتمن، ولولا الأمانة في المشورة لوددت أنه قطعت يده يوماً ورجله وما وسائر جسده يوماً وفي السنة المذكورة قتل أبو المقدام شريح، ابن هاني المدلجي صاحب علي وله مائة وعشرون سنة.
[سنة تسع وسبعين]
فيها وقيل في التي قبلها قتل رأس الخوارج قطري بن فجأة التميمي، ثر به فرسه فأهلك، وأتي الحجاج برأسه، وكان الحجاج يستنفر جيشاً بعد جيش وهو يستظهر عليهم،