وأما من حيث النسب، فلما ذكروا أن المغربي أزدي، والمشرقي حكمي، ولعل ابن هانىء المغربي المذكور وهو الذي وقع بينه وبين المتنبي ما يحكى من القصة العجيبة عنده وصوله إلى قابس لمدح صاحب الإفريقية. وقد ذكرتهما في آخر علم البديع من كتاب منهل المفهوم في شرح ألسنة العلوم فإن الشاعر الذي ذكروا أنه رد المتنبي عن ملاقاة صاحب الأندلس، ومدحه بالجملة التي ذكرها داهية في المكر، فإنه حكى أن المتنبي لما خيم بإزاء قصره في زي أمير في الحشمة والغلمان والخدم والخيل والأتباع والحشم، فزع صاحب قابس من ذلك، وسأل عنه، فلما قيل له: إنه شاعر أتى ليمدحك، كره ذلك وقال: أي شيء يرضي صاحب هذه الهيئة، ويقنعه من الجائزة؟ فقال شاعره أنا أرده عنك، وغالب ظني أنهم قالوا إنه ابن هانىء، فقال له. بأي وجه ترده عني. فقال: بوجه جميل، فقال: افعل فأخذ شاة رديئة ولبس لباس بدوي، وجعل يقود الشاة متوجهاً إلى جهة منزل المتنبي، وهو في مخيم كأنه مخيم أمير، فلما قرب منه قال: طرقوا إلى الأمير، فصاروا يضحكون عليه، ويتعجبون منه. فلما وصل إليه وهو يقود الشاة في تلك الهيئة التي اتصف هو وشاته بها ضحك منه، هو ومن حوله، وقال له: ما هذه الشاة؟ قال: هذه جائزتي من الملك. قال: جائزة؟ فال: نعم، قال: جائزة علام ذا. قال: على مدحي له. فتعجب من ذلك وقال: عسى أن تكون جائزته على قدر مدحه، ثم قال له: أسمعني مدحك له، كيف قلت فيه؟ قال: قلت:
ضحك الزمان وكان قدماً عابساً ... لما فتحت يجد عزمك قايسا
أنكحتها عذراء وما أمهرتها ... إلا فتى وصوارماً وفوارسا
من كان بالسمر العوالي خاطباً ... جلبت له بيض الحصون عرائسا
فتحير المتنبي عند سماع شعره وقال: أنا ما أقدر أقول مثل هذا الذي أجازك عليه بهذه الشاة، فارتحل راجعاً من حيث جاء، هكذا حكى لي بعض أهل الخير ممن له إلمام ومعرفة ببعض الشعراء من جهة المغرب، أو ما يقرب منها، بهذا اللفظ أو ما يقرب منه معناه. ولكن ما رأيت أحداً من المؤرخين ذكر للمتنبي دخولاً إلى بلاد المغرب. والله أعلم.
[ثلاث وستين وثلاث مائة]
فيها ظهر ما كان المطيع يستره من الفالج، فثقل لسانه، فدعا حاجب السلطان