الطريق، وأصبح ميتاً ولم يعرف سبب موقه. وقيل أنه وجد في ساقية من سواقي برقة مخنوقاً بتكة سرواله، وكان ذلك في بكرة يوم الأربعاء لسبع ليال بقين من رجب سنة اثنتين وستين وثلاث مائة، وعمره ست وثلاثون سنة، وقيل اثنتان وأربعون سنة رحمه الله هكذا قيده صاحب كتاب أخبار القيروان، وأشار إلى أنه كان في صحبة المعز، وهو مخالف لما ذكرته أولاً من تشيعه للمعز ورجوعه لأخذ عياله. ولما بلغ المعز وفاته بمصر أسف عليه كثيراً وقال: هذا الرجل كنانة جود إن تفاخر به شعراء المشرق فلم يقدر لنا ذلك. وله في معز عزيز المدائح ونحت الشعر، فمن ذلك قصيدته النونية التي أولها:
هل من أعتقه عالج بيرين ... أم منهما بقر الحدوج العين
ولمن ليالي باذ منا عهدها ... مذكر إلا أنهن شجون
والمشرقات كأنهن كواكب ... والناعمات كأنهن غصون
أومى لها المجان صفحة خده ... وبكى عليها اللؤلؤ المكنون
قلت قوله: الحدوج المراد بالحدوج هنا جمع: حدج وهو مركب من مراكب النساء مثل المحفة.
قال ابن خلكان: وديوانه كبير، ولولا ما فيه من الغلو في المدح والإفراط المفضي إلى الكفر لكان من أحسن الدواوين. وليس للمغاربة من هو في طبقته لا من متقدميهم ولا متأخريهم، بل هو أشعرهم على الإطلاق، وهو عندهم كالمتنبي عند المشارقة، وكانا متعاصرين، وإن كان في المتنبي مع أبي تمام من الاختلاف ما فيه. قال: ويقال أن أبا العلاء المعري، كان إذا سمع شعره يقول: ما أشبهه إلا برحى يطحن قروناً، لأجل القعقعة في ألفاظه، ويزعم أنه لا طائل تحت تلك الألفاظ. قال: ولعمري ما أنصفه في هذا المقال وما حمله على هذا إلا فرط تعصبه للمتنبي، قال: وبالجملة فما كان إلا من المحسنين في النظم، والله أعلم، انتهى.
وقال في أول ترجمته " أبو نواس الأندلسي " فكناه بكنية أبي نواس الحسن بن هانىء الحكمي العراقي، وهذا محمد بن هانىء الأزدي الأندلسي، فقد اتفقا في اسم الأبوين، وهو هانىء، وقد يتوهم من لا يدري التاريخ والنسب أنهما أخوان، كما ذكر ذلك في بعض الناس فيما مضى متوهماً لاتفاق اسم الأبوين، أو مقلداً متوهماً، ولو اطلع على التاريخ لعلم بطلان ذلك، فإن هذا المغربي توفي في سنة اثنتين وستين وثلاث مائة، وذلك المشرقي توفي في سنة ست وتسعين ومائة، فبينهما مائة وست وستون سنة، والأخوان لا يتباعد ما بينهما هذا التباعد في مثل زمانهما، هذا من حيث التاريخ.