فيها بدت من القاهر شهامة وإقدام، فتحيل حتى قبض على مؤنس الخادم وجماعة، ثم أمر بذبحهم، ثم طيف برؤوسهم ببغداد، فاستقامت له بغداد، وأطلقت أرزاق الجند وعظمت هيبة القاهر في النفوس، ثم أمر بتحريم القينات والخمر، وقبض على المغنن ونفى المخنثين، وكسر آلات الطرب، إلا أنه قيل: كان لا يكاد يصبر من السكر، ويسمع القينات.
وفيها توفي أبو جعفر، أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي الأزدي الفقيه الحنفي المصري. برع في الفقه والحديث، وصنف التصانيف المفيدة. قال الشيخ أبو إسحاق: انتهت إليه رئاسة الحنفية بمصر، وقال غيره: كان شافعي المذهب، يقرأ على المزني، فقال له يوماً: والله لا جاء منك شيء، فغضب أبو جعفر من ذلك. وانتقل إلى جعفر بن عمران الحنفي، واشتغل عليه، فلما صنف مختصره قال: رحم الله أبا إبراهيم يعني المزني لو كان حياً لكفر عن يمينه.
وذكر أبو علي الخليلي في كتاب الإرشاد في ترجمة المزني: إن الطحاوي المذكور كان ابن أخت المزني، وأن محمد بن أحمد الشروطي قال: قلت للطحاوي: لم خالفت خالك، واخترت مذهب أبي حنيفة. فقال: لأني كنت أرى خالي يديم النظر في كتب أبي حنيفة، فلذلك انتقلت إليه. وصنف كتباً مفيدة، منها:" أحكام القرآن "، و " اختلا العلماء "، و " معاني الآثار "، و " الشروط " وله " تاريخ " كبير، وغير ذلك. ونسبته إلى " طحا " وهي قرية بصعيد مصر، وإلى الأزد وهي قبيلة كبيرة مشهورة من قبائل اليمن.
وفيها توفي أبو هاشم الجبائي شيخ المعتزلة، وابن شيخهم، وكان له ولد عامي لا يعرف شيئاً،، فدخل يوماً على الصاحب بن عباد، فظنه عالماً، فكرمه ورفع مرتبته، سأله عن مسألة فقال: لا أدري نصف العلم، فقال الصاحب: صدقت يا ولدي، لأن أباك تقدم بالنصف الآخر. " والجبائي " بضم الجيم وتشديد الموحدة، نسبة إلى جبا، قرية من