وفيها توفي فقيه الكوفة أبو شبرمة عبد الله بن شبرمة الضبي القاضي، روى عن أنس والتابعين، وكان عفيفاً عارفاً عاقلاً، يشبه النساك، شاعراً جواداً. وفيها توفي عقيل بضم العين المهملة مولى بني أمية، وكان حافظاً حجة، ومجالد بالجيم ابن سعيد الهمداني الكوفي صاحب الشعبي.
[سنة خمس وأربعين ومائة]
قالوا فيها ظهر محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن الحسني، وخرج في مائتين وخمسين نفساً بالمدينة، وهو راكب على حمار وذلك في أول رجب، فوثب على متولي المدينة فسجنه، وتتبع أصحابه، ثم خطب الناس، وبايعه بالخلافة أهل المدينة قاطبة طوعا وكرهاً، وأظهر أنه قد خرج غضباً لله عز وجل، وما تخلف عنه من الوجوه إلا نفر يسير، واستعمل على مكة عاملاً وعلى اليمن وعلى الشام، فلم يتمكن عماله وندب المنصور لحربه ابن عمه عيسى بن موسى، وقال: لا أبالي أيهما قتل صاحبه، وإنما قال ذلك لأن عيسى المذكور كان ولي العهد بعد المنصور على ما عهد في ذلك السفاح. قيل: وكان المنصو يود هلاكه ليولي ولده المهدي مكانه، فسار عيسى في أربعة آلاف، وكتب إلى الاشراف يستميلهم ويمنيهنم، فتفرق عن محمد ناس كثير، وأشير عليه بالمسير إلى مصر ليتقوى منها، فأبى وتحصن في المدينة وعمق خندقها، فلما وصل عيسى تفرق عن محمد أصحابه حف بقي في طائفة قليلة، فراسله عيسى يدعوه إلى الإنابة ويبذل له الأمان فلم يسمع، ثم أنذر عيسى أهل المدينة ورغبهم ورهبهم أياماً، ثم زحف على المدينة فظهر عليها، ونادى محمداً وناشده الله ومحمد لا يرعوي. قال عثمان بن محمد بن خالد أني لأحسب محمداً قتل بيده يومئذ سبعين رجلاً وكان معه ثلاث مائة مقاتل، ثم قتل في المعركة، وبعث عيسى برأسه إلى المنصور. وفي السنة المذكورة خرج أخوه إبراهيم بن عبد الله إلى البصرة، وكان قد سار إليها من الحجاز فدخلها سراً في عشرة أنفس، فجرت له أمور غريبة في اختفائه، ربما يقع به بعض الأعوان فيصطنعه، ثم دعى إلى نفسه سراً بالبصرة حتى تابعه نحو أربعة آلاف، وجاء خير أخيه وما جرى له بالمدينة فوجم واغتم. ولما بلغ المنصور خروجه تحول فنزل الكوفة حتى يأمن غايلة أهلها، وألزم الناس