فقالت: مرحبا بك، حياك الله، وعافاك الله، فنزلت، ثم عمدت إلى بر وطحنته وعجنته، ثم خبزته، ثم نبضته قبضة روتها بالزبد واللبن، ثم وضعتها بين يدي وقالت: كل ذا غدر، فلم، أن أقبل أعرابي كريه الوجه، فسلم، فرددت عليه السلام، فقال: من الرجل. فقلت: ضيف، فقال: وما يصنع الضيف عندنا؟ ثم دخل إلى أهله فقال: أين طعامي. فقالت: أطعمته الضيف، فقال: أتطعمين طعامي الأضياف؟. فتحاربا الكلام، فرفع عصاه، وضرب رأسها فشجها، فجعلت أضحك، فخرج إلي وقال: ما يضحكك. فقلت: خير، فقال: والله لتخبرني، فأخبرته بقصة المرأة والرجل اللذين نزلت عليهما قبله، فأقبل علي وقال: إن هذه التي عندي، أخت ذلك الرجل، وتلك التي عنده أختي، فبت متعجباً وانصرفت.
وحكى الهيثم أيضاً قال: صار سيف عمرو بن معد يكرب الزبيدي الذي كان يسمى الصمصامة، إلى " موسى الهادي " فجرد الصمصامة وجعله بين يديه، وأذن للشعراء، فدخلوا عليه، ودعا بمكتل فيه بدرة، وقال: قولوا في هذا السيف، فبدر ابن يامين البصري، وأنشد:
حاز صمصامة الزبيدي عمرو ... من بين جميع الأنام موسى الأمين
سيف عمرو، وكان فيما سمعنا ... خير ما أغمدت عليه الجفون
أخضر اللون بين خديه برد ... من دباج، يمس فيه المنون
أوقدت فوقه الصواعق ناراً ... ثم شابت به الذعاف المنون
فإذا سللته بهر الشمس ... ضياء فلم تكد تستبين
ما يبالي من انتضاه لضرب ... أشمال سطت به أم يمين؟.
وكأن الفرند والجوهر الجا ... ري في صفحته ماء معين
مع أبيات أخرى، فقال الهادي: أصبت والله ما في نفسي، واستخفه السرور، فأمر له كتل والسيف، فلما خرج، قال للشعراء: شأنكم بالمكتل، ففي السيف عناني، قال في مروج الذهب: فاشتراه الهادي منه بخمسين ألفاً.
[سبع ومائتين]
فيها توفي طاهر بن الحسين الخزاعي وقيل: مولاهم الملقب ذا اليمينين، كان من أعوان المأمون، فسيره إلى محاربة أخيه الأمين من خراسان، لما خلع الأمين بيعته، تقدم ذكر ذلك، وما جرى له في كسر الجيش الذي سيره الأمين مع علي بن عيسى بن ماهان وأخذه بغداد وقتله للأمين، وكان المأمون يرعى له خدمته ومناصحته، وكان أديباً