ورأيت قبيل قتله في المنام. كان القمر في السماء قد احترق بالنار، وأظن أني رأيته سقط إلى الأرض، وكان قبل ذلك بأيام قد جاء بجيش يريد أخذ مكة وقتل جماعة فيها من الفقهاء، والمجاورين على ما قيل، وقد كان مخرجاً منها.
ومن جملة المذكورين، القاضي الجليل الإمام الحفيل نجم الدين الطبري، جاءني، وهو خائف يقول: أين أذهب، وعندي بنات. يعني لا أستطيع الذهاب عنهن، فرأيت في المنام، في ضحى ثاني ذلك اليوم الذي قال فيه: ذلك المقال كأني شاهدت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقبلت قدمه الشريفة، وقلت: يا رسول الله نجم الدين، فتبسم صلى الله عليه وآله وسلم، وقال لي:" ما يصيبه شر " فقلت له: أهل مكة، فانقبض عليه السلام، ولم يجبني بجواب، فأعدت عليه ذلك، فلم يجبني، ثم أعدت عليه ثالثاً فقال:" ما عليهم إلا خير " يقول ذلك بغير بشاشة منه، ثم أقبل بالجيش عقب هذا المنام إلى أن بلغ بطن مر، فخرج إليه أخوته عطيفة، وعطاف، وآخر من أخوته مع عسكر ضعيف، فنصرهم الله عليه، وكسروه، فانهزم ولم يكن قبل ذلك يكسر، بل كانت العربان تهابه هيبة عظيمة، وكانت له سطوة، وإقبال، وسعادة عاجلة، وكان يقول: كان لأبي نمي خمس فضائل، الشجاعة، والكرم، والحلم والشعر، والسعادة، قال: فورثت هذه الخمس، خمسة من أولاده، فالشجاعة لعطيفة، والكرم لأبي الغيث، والحلم لرميثة، والشعر لسليمة، والسعادة لي حتى لو قصدت جبلاً لدهكته، ثم قتل بعد كسرته المذكورة، بعد أيام يسيرة.
[سنة إحدى وعشرين وسبع مائة]
فيها أطلق ابن تيمية بعد الحبس بخمسة أشهر، وأقبلت الحرامية في جمع كثير، فنهبوا في بغداد علانية سوق الثلاثاء، فانتدب لهم عسكر، فقتلوا فيهم مقتلة نحو المائة، وأسروا جماعة.
ووقع الحريق الكثير بالقاهرة، ودام أياماً، وذهبت الأموال، ثم ظهر فاعلوه، وهم جماعة من النصارى، يعملون قوارير ينقدح ما فيها، ويحرق، فقتل جماعة وكان أمراً مزعجاً قيل: فعلوه، لإخراب كنيسة لهم، وأخرب ببغداد مواضع الفاحشة، وارتفعت الخمور، وأخربت كنيسة اليهود وحج تائب دمشق، وفي صحبته خطيب البلد القاضي جلال الدين القزويني، وجماعة من العلماء والأكابر.
وفيها مات شيخ الشيعة، وفاضلهم الشمس محمد بن أبي بكر بن أبي القاسم