مع الفرنج فصول وحروب إلى أن اتفقت وقعة المنصورة وذلك أن الفرنج حملوا ووصلوا إلى دهليز السلطان، فركب مقدم الجيش فخر الدين ابن الشيخ، وقاتلها إلى أن قتل، وانهزم المسلمون، ثم كروا على الفرنج، ونزل النصر ولله الحمد، فقتل من الفرنج مقتلة عظيمة، ثم قدم الملك المعظم بعد أيام.
وفيها توفي الملك الصالح ابن الملك الكامل ابن الملك العادل، كما تقدم، وكان وافر الحرمة، عظيم الهيبة، طاهر الذيل، حليفاً للملك ظاهر الجبروت.
وفيها توفي الأمير نائب السلطنة.
وفيها توفي فخر الدين كما تقدم.
وفيها توفي أبو الفضل يوسف ابن شيخ الشيوخ صدر الدين محمد بن عمر الجويني، ولد بدمشق، وسمع من غير واحد طعن يوم المنصورة، ووقع ضربتان في وجهه، فسقط، وكان رئيساً محتشماً سيداً معظمًا ذا عقل ورأي ودهاء وشجاعة وكرم سجنه السلطان سنة أربعين، وقاسى شديدًا، وبقي في الحبس ثلاث سنين ثم أخرجه، وأنعم عليه، وقدمه على الجيش.
[سنة ثمان وأربعين وست مائة]
استهلت والفرنج على المنصورة والمسلمون بإزائهم مستظهرين لانقطاع الميرة عن الفرنج، ووقوع المرض في خيلهم، وعزم ملكهم على السير في الليل إلى دمياط، ففهم المسلمون ذلك، وكان الفرنج قد عملوا جسرًا من صنوبر على النيل، ونسوا قطعه، فعبر عليها المسلمون وأحدقوا بهم، فتحصنوا بقربة يمينة أبي عبد الله، وأخذ أسطول المسلمين أسطولهم أجمع، وقتل منهم خلق، وطلب ملكهم الطواسي رشيد سيف الدين الضمري فأتوا وكلمهم في الأمان على نفسه وعلى من معه، فعقدا له الأمان، وانهزم جل الفرنج، فحمل عليهم المسلمون، ووضعوا فيهم السيف، وغنم الناس مالاً لا ينحصر، وركب ملك الفرن! في حراقة والمراكب الإسلامية محدقة به تخفق بالكووسات والطبول، وفي البر الشرقي الجيش سائر تحت ألوية النصر، وفي البر الغربي العربان والعوام، وكانت ساعة عجيبة. واعتقل ملك الفرنج بالمنصورة، وكانت الأسرى نيفا وعشرين ألفا فيهم ملوك وكبار الدولة وكانت القتلى سبعة آلاف، واستشهد من المسلمين نحو مائة أنفس، وخلع الملك المعظم على الكبار من الفرنج خمسين خلعة، فامتنع الكلب ملكهم من لبسها، وقال: أنا مملكتي بقدر مملكة صاحب مصر كيف ألبس خلعته؟ ثم بدت من الملك المعظم خفة وطيش