ادخل القصر لا تخاف زوالا ... بعد ستين من سنيك رحيل
فوقف ملياً، وتغرغرت عينه، ثم قال: بقية لعاقل وفسحة لجاهل، كأنه حسب ما بقي من عمره من السنين، وكان قد مكث قبل بنائها سنة يتردد ليرتاد موضعاً يبنيه، فبينا هو كذلك إذا براهب قد أشرف عليه من بنيان مقيم فيه، فقال: اراك منذ شهور تدور وتكثر الترداد في هذا الموضع، فقال: اريد أن أبني فيه مدينة، فقال له الراهب: لست صاحبها، انا نجد أن صاحبها يقال له مقلاص. فقال أبو جعفر: انا والله صاحبها، كنت أدعى وأنا صبي في الكتاب بمقلاص، فأمر حينئذ ببنائها، وكتب إلى البلدان أن يوجه إليه ما يحتاجه ويتوقف عمارتها عليه، ثم قال لنوبخت بالنون ثم بالموحدة بعد الواو ثم الخاء المعجمة والمثناة من فوق في آخره المنجم: اختر لي موضعاً أضع له فيه الأساس والبناء، فاختار له فوضع الأساس، ثم قال له: احكم الآن فقال: يتم بناؤها وتكون مدينة ليس في شرق ولا غرب لها نظير، ويعمرعمراناً لم ير مثله، قال أبو جعفر: ثم ماذا؟ قال: ثم تخرب بعد موتك خراباً ليس بصحراء ولكن دون العمران، ووزنت لبنة سقطت من السور فكان وزنها اثنتين وثمانين رطلاً، وكان قد وضع المنصور أول لبنة بيده، وقال: بسم الله والحمد لله إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين. وفي السنة المذكورة على الصحيح توفي حيوة بن شريح التجيبي المصري أحد العلماء السادة الزهاد أولى التوفيق والسعادة وكان مجاب الدعوة. وفيها توفي الإمام زفر بن الهذيل صاحب الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنهم.
[سنة تسع وخمسين ومائة]
فيها ألح المهدي على ولي العهد عيسى بن موسى بكل ممكن وبالترغيب والترهيب في خلع نفسه ليولي العهد ولده موسى الهادي، فأجاب خوفاً على نفسه، فأعطاه المهدي عشرة آلاف ألف درهم وإقطاعات، وفيها توفي السيد الجليل عبد العزيز بن أبي رواد. ومما يحكى من فضائله أن امرأة بمكة تقرأ القرآن رأت كأن حول الكعبة وصائف عليهن معصفرات وبأيديهن ريحان، وكأنها قالت: سبحان الله هذا حول الكعبة، يعني هذا التزين المتخذ للهو، فقيل لها: اما علمت أن عبد العزيز بن أبي رواد زوج الليلة، فانتبهت