قلت وهذا فيه اعتراض من وجهين: احدهما أن الكسائي كان أولى بالتقديم لفضائله المشهورة ولو لم يكن إلا كونه إماماً في قراءة الكتاب العزيز العربي ولسان اللغة العربية، والثاني أن في موته خلافاً، اين كان من البلاد، وقد قيل إنه مات بالري، وفي ذلك أيضاً إشكال، فإن بعضهم حكى أنه رأى العباس بعد موت هارون الرشيد، وبعضهم حكى أنه توفي قبل هذه السنة، وقد قدمنا ذكر ذلك فالله أعلم أي ذلك كان.
[سنة ثلاث وتسعين ومائة]
فيها سار الرشيد إلى خراسان ليمهد قواعدها، وكان في العام الماضي قد بعث من قبض الأمير علي بن عيسى بن ماهان، واستصفى أمواله وخزائنه، فبعث بها إلى الرشيد على ألف وخمس مائة جمل، فوافقته بجرجان. وفيها توفي الإمام العالم أبو بشر إسماعيل ابن علية البصري الأسدي مولاهم، قال شعبة ابن علية: سيد المحدثين، وقال يزيد بن هارون: دخلت البصرة وما بها أحد يفضل في الحديث على ابن علية. وتوفي بعده بأيام الحافظ محمد بن محمد بن جعفر المعروف بغندر، قال ابن معين: كان من أصح الناس كتاباً، وقال غيره: مكث خمسين سنة يصوم يوماً ويفطر يوماً. وفيها توفي السيد الجليل الإمام أبو بكر بن عياش الأسدي، مولاهم شيخ الكوفة في القراءة والحديث، قال بعضهم: كان لا يفتر من التلاوة قرأ اثني عشر ألف ختمة، وقيل أربعة وعشرين ألف ختمة، وعمره بضع وتسعون سنة، قال رحمه الله رأيت أعرابياً واقعاً بالكناسة على نجيب له ينشد:
خليلي عوجا من صدور الرواحل ... بمهجور جزوى فأبكيا بالمنازل
لعل انحدار الدمع يعقب راحة ... من الوجد أو يشفى عليل البلابل
فخلوت بنفسي فبكيت فاسترحت من مصيبة أصابتني، هذا ما رواه المبرد عنه. وفيها توفي الخليفة أبو جعفر هارون الرشيد بن المهدي محمد بن المنصور بطوس، وكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة.