فلما كان من العام المقبل، تلطف حتى دخل مع الشعراء، وإنما كانت الشعراء تدخل على الخلفاء كل عام مرة، فمثل بين يديه وأنشد قصيدته التي أولها:
طرقتك زائرة فجاء خيالها
فأنصت لها المهدي، ولم يزل يرجف كلما سمع شيئاً منها حتى زال عن البساط اعجاباً بما سمع، ثم قال له: كم بيتاً هي فقال: مائة ألف، فأمر له بمائة ألف درهم. ويقال إنها أول مائة ألف أعطيها شاعر في خلافة بني العباس. قال الفضل بن الربيع: فلم يلبث من الأيام إلى أن أفضت الخلافة إلى هارون الرشيد، فأنشده شعراً، فقال له: من أنت؟ فقال: شاعرك مروان بن أبي حفصة. فقال: ألست القائل كذا؟ وأنشده البيت، ثم قال خذوه بيده فأخرجوه فإنه لا شيء له عندنا، ثم تلطف حتى دخل بعد ذلك، فأنشده وأحسن جائزته. ومن المراثي النادرة أيضاً أبيات الحسين بن مطير بن الأشيم الأسدي في معن بن زائدة أيضاً وهي من أبيات الحماسة:
ألما على معن وقولاً لقبره ... سقتك الغوادي مربعاً ثم مربعا
فيا قبر معن كيف واريت جوده ... وقد كان منه البر والبحر مترعا
مع أبيات أخرى. وقال الصاحب بن عباد: قرأت في أخبار معن بن زائدة أن رجلاً قال له: احملني أيها الأمير، فأمر له بناقة وفرس وبغل وحمار وجارية، ثم قال: لوعلمت أن الله سبحانه خلق مركوباً غير هذه لحملتك عليه، وقد أمرنا لك من الخز بجبة وقميص وعمامة ودراعة وسراويل ومنديل ومطرف ورداء وكساء وجورب، ولو علمنا لباساً آخر يتخذ من الخز لأعطيناكه. قال بعض المؤرخين: ولولا خوف الإطالة لا تبت من محاسنه بكل نادرة بديعة.
[سنة اثنتين وخمسين ومائة]
فيها توفي عباد بن منصور. روى عن عكرمة وجماعة، وفيها توفي يونس بن يزيد صاحب الزهري، روى عن القاسم وسالم وجماعة. وفيها توفي واصل بن عبد الرحمن البصري، روى عن الحسن وطبقته.
[سنة ثلاث وخمسين ومائة]
فيها غلبت الخوارج الإباضية على إفريقية، وهزموا عسكرها، وقتلوا متوليها عمر بن