فحصرهم المسلمون في المدائن وقتلوا رؤوسهم الثلاثة المذكورين، وغيرهم. وممن استشهد عمرو ابن أم مكتوم الأعمى المؤذن المذكور في قوله تعالى " أن جاءه الأعمى ". وفي قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " وأبو زيد الأنصاري، واسمه سعد بن عبيد. وفيها افتتحت الأردن عنوة إلا طبرية، فإنها افتتحت صلحاً. وفيها توفي سعد بن عبادة سيد الخزرج بحوران في جش فمات لوقته. فيقال إن الجن أصابته، وأنه سمع قائلاً في بعض آبار المدينة يقول:
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ... ورميناه بسهم فلم يخط فؤاده
قلت قوله نحن من الخرم المعروف في علم العروض بالخاء المعجمة وهو ما يزاد في أول البيت زائداً على وزنه وأكثر ما يكون أربعة أحرف.
[السنة السادسة عشرة]
فيها افتتحت حلب وانطاكية صلحاً، وفيها مصر سعد بن أبي وقاص الكوفة، وأنشأها وفيها نزل عمر رضي الله عنه على بيت المقدس، وكان المسلمون قد حاصروا تلك المدينة المباركة، وطال حصارهم، فقال لهم أهلها: لا تتعبوا فلن يفتحها إلا رجل نحن نعرفه، له علامة عندنا فإن كان إمامكم به تلك العلامة سلمناها له من غير قتال، فأرسل المسلمون إلى عمر يخبرونه بذلك، فركب رضي الله تعالى عنه راحلته، وتوجه إلى بيت المقدس، وكان معه غلام له يعاقبه في الركوب نوبة بنوبة، وقد تزود شعيرأ وتمراً وزيتاً، وعليه مرقعة، لم يزل يطوي القفار الليل والنهار إلى أن قرب من بيت المقدس، فتلقاه المسلمون، وقالوا له: ما ينبغي أن يرى المشركون أمير المؤمنين في هذه الهيئة، ولم يزالوا به حتى ألبسوه لباساً غيرها، وأركبوه فرساً، فلما ركب وهسل به الفرس، داخله شيء من العجب، فنزل عن الفرس، ونزع اللباس ولبس المرقعة، وقال أقيلوني، ثم سار في هذه الهيئة إلى أن وصل، فلما رآه المشركون من أهل الكتاب كبروا، وقالوا: هذا هو، وفتحوا له الباب.
وفيها توفيت مارية القبطية أم ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. اهداها له المقوقس ملك الاسكندرية ومصر.