لولا المشقة ساد الناس كلهم ... الجود يفقر والإقدام قتال
هذا من لطيف الإشارات.
[سنة خمسين وست مائة]
فيها توفي الكمال إسحاق بن أحمد المعري الشافعي المفتي تلميذ ابن الصلاح، كان إماماً بارعًا زاهدًا عابدًا توفي بالروحانية.
وفيها توفي العلامة أبو الفضائل رضي الدين الحسن بن محمد الصغاني العدوي العمري الهندي اللغوي نزيل بغداد، كان إليه المنتهى في معرفة اللغة، له مصنفات كبار في ذلك، وله تبصرة في الفقه والحديث مع الدين والأمانة.
وفيها توفي سعد الدين بن حمويه محمد بن المؤيد الجويني الصوفي، كان صاحب أحوال ورياضات، وله أصحاب ومريدون وكلام، سكن سفح قاسيون مدة، ثم رجع إلى خراسان، فتوفي هناك.
[سنة إحدى وخمسين وست مائة]
وفيها توفي شيخ الشيوخ السيد الجليل العارف بالله أبو الغيث ابن جميل اليمني ذو المقامات العلية والأحوال السنية، والأنفاس الصادقة، والكرامات الخارقة، والفتح العظيم، والفضل الجسيم منبع الأسرار، ومطلع الأنوار شيخ الزمان والمشار إليه من بين الأقران صاحب المظهر الباهر العظيم الشأن الذي أشرت إليه فيما تضمنه هذان البيتان.
أيا سيدكم ساد بالفضل سيدًا ... بكل زمان ثم كل مكان
إذا أهل أرض، فاخروا بشيوخهم ... أبو الغيث فينا فخر كل يمان
كان قدس الله روحه عبدا يقطع الطريق فبيناه وكامن للقافلة، فسمع هاتفًا يقول: ياصاحب العين عليك أعين، فوقع منه ذلك موقعا أزعجه عما كان عليه، وأقبل به إلى الإقبال على الله والإنابة إليه، وصحب في بدايته الشيخ الكبير الولي الشهير المعروف بابن أفلح اليمني حتى زكت نفسه، وتنور قلبه، وظهر عليه صدق الإدارة وسيماء السعادة، وبدت منه بعض الكرامات في الأوقات. من ذلك أنه خرج يحتطب في وقت، ومعه حمار يحمل عليه حطب، فبينا هو يجمع الحطب في بعض البراري وثب الأسد على حماره، فافترسه، فلما جاء بالحطب ليحمله وجده قد مات، وقال للأسد: تقتل حماري على أي شيء أحمل