والثاني الشيخ عز الدين الواسطي، وكانت طريقته القرب من كل أحد مطلقاً، حتى لو جاءه صغير فصب به حيث شاء، وكان سليم الصدر لا يدري ما عليه الناس، حتى أنه دخل العسكر المدينة مع الشريف روى، فلما رآهم قال: ما هؤلاء. وكانوا قد حاصروا المدينة أياماً كثيرة، وما عنده شعور بذلك، وهو في ذلك الوقت إمام الناس في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان إذا عرف الإنسان في يومه أنكره من الغد، وكان أكثر مجاورته في المدينة الشريفة، وكان الصلاح ظاهراً عليه، وهو آخر من ألبسني الخرقة بينه وبين الشيخ شهاب الدين السهروردي، وإلباسها واحد، كان يعظم الكعبة المشرفة إذا ذكرها، ويقول قال لله تعالى:" وطهر بيتي " الحج: ٢٦.
والثالث من الواسطيين المذكورين ابن الشيخ أحمد الواسطي، كان مجاوراً بمكة، كانت طريقته متوسطة بين طريقتي المذكورين، يتقرب من الفقراء، ويتباعد من أهل الدنيا، وكان صاحب جد واجتهاد، وكان أيضاً كثير المودة لي حتى أخبرني الشيخ إبراهيم المقرئ - رحمة الله على الجميع عنه أنه قال: ما لي في الحرم صديق إلا فلان فلي والحمد لله من الثلاثة كلهم نصيب. بل من غيرهم من الصالحين أيضاً فقد قال لي الولي الكبير، الوافر النصيب، ذو الأحوال السنية، والهمة العلية الشيخ خالد بن شبيب: رأيت الأولياء كلهم يحبونك داعين مستبشرين.
وكان رضي الله تعالى عنه يجتمع برجال الغيب في البراري كثيراً، وله معهم حكايات عجيبة ليس هذا موضع ذكرها، وكان يبلغني السلام عنهم والإشارة بما أفعله، وما يكون في بعض الأحيان، والحمد لله الجواد المنان.
وفيها ماتت بدمشق المعمرة المسندة أم محمد أسماء بنت محمد بن سالم، سمعت من مكي بن غيلان، وتفردت وحجت مراراً، وتصدقت.
[سنة أربع وثلاثين وسبع مائة]
قال الذهبي: جاء بطيبة سيل عظيم أخذ الجمال، وعشرين فرساً، خرب أماكن.
هكذا قال في تاريخه، وقد رأيت سيلاً عظيماً يجري في وادي قناة، واستمر ذلك ستة أشهراً وأكثر، وكان قد طلع في قبة حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه أذرعاً، ودار بجبل الرماة من جهة القبة المذكورة المكرمة، ومن جهة المدينة الشريفة المعظمة، وأقمت أياماً وليالي كثيرة أتوضأ منه مع الولي المجرد الشيخ المودود ذي الأحوال الباهرة، والكرامات الظاهرة عبد الرحمن الحبشي.
وفي السنة المذكورة توفي الحافظ العلامة المتفنن فتح الدين أبو الفتح محمد بن