وفيها توفي ابن سيدة أبو الحسن علي بن اسماعيل الحافظ، كان إماماً في اللغة والعربية، وكان حافظاً لهما، وله كتاب المحكم والمخصص، كلاهما في اللغة، وكتاب الأنيق ستة مجلدات في شرح الحماسة، وغير ذلك. ووجد على ظهره مجلد من المحكم بخط بعض الفضلاء: إن ابن سيدة دخل المتوضي وهو صحيح، فأخرج منه وقد سقط لسانه، وانقطع كلامه، ثم مات بعد يومين نسأل الله تعالى العفو والعافية.
[سنة تسع وخمسين واربع مائة]
في ذي القعدة منها فرغت عمارة المدرسة النظامية التي أنشأها الوزير نظام الملك، وقرر لتدريسها الشيخ أبا إسحاق الشيرازي، فاجتمع الناس، ولم يحضر، إذ لقيه في الطريق صبي وقال: كيف تدرس في مكان مغصوب؟ فرجع، واختفى. فلما أيسوا من حضوره وقد اجتمع فيها وجوه الناس وقالوا: إما ينبغي أن ينصرف هذا الجمع من غير تدريس. فأرسل إلى أبي نصر الصباغ مصنف الشامل فدرس. فلما وصل الخبر إلى الوزير أقام القيامة على العميد أبي سعيد، فلم يزل يرفق بالشيخ أبي إسحاق حتى درس، وعمد إلى قبر الإمام الأعظم أبي حنيفة الكوفي رضي الله تعالى عنه فبنى عليه قبة عظيمة، وأنفق عليها أموالاً جسيمه. وفي السنة المذكورة توفي أبو نصر أحمد بن عبد الباقر الموصلي، وأبو مسلم الأصبهاني الأديب المفسر المقرىء.
[سنة ستين واربع مائة]
فيها أوقبلها كان غلاء عظيم بمصر. وفيها كانت الزلزلة التي هلك فيها بالرملة وحدها على ما ذكر ابن الأثير خمسة وعشرون ألفاً، وقال: انشقت الصخرة ببيت المقدس، وعادت بإذن الله تعالى، وأبعد الله سبحانه البحر عن ساحله مسيرة يوم. وفيها توفي عبد الدائم بن الهلال الجوزاني ثم الدمشقي، والواسطي أبو الجوائز الحسن بن علي الكاتب. كان من الفضلاء أديباً شاعراً حسن الشعر، ومن شعره:
دع الناس طراً واصرف الود عنهم ... إذا كنت في أخلاقهم لا تسامح
ولا تبغ من دهر بظاهر ريقة ... صفاء بنيه في الطباع جوامح