والعربية، وكان مع ذلك حافظاً للحديث والفقه والخبر والنوادر، راوياً للأشعار والآثار، لا يلحق شاوه، ولا يشق غباره، روى عنه الشيوخ والكهول. وكان قد لقي مشايخ عصره بحضرة الأندلس، وأخذ عنهم، وصنف الكتب المفيدة في اللغة، منها كتاب " تصاريف الأفعال " وهو الذي فتح هذا الباب، فجاء من بعده ابن القطاع، ولقد أعجز من يأتي بعده وفاق من تقدمه، وكان مع هذه الفضائل من العباد النساك، وكان جيد الشعر، صحت الألفاظ واضح المعاني، حسن المطالع والمقاطع، إلا أنه ترك ذلك ورفضه.
حكى الأديب الشاعر يحيى بن هذيل التميمي أنه توجه يوماً إلى ضيعة له بسفح جبل قرطبة، وهي من بقاع الأرض الطيبة المونقة، فصادف ابن القوطية المذكور صادراً عنها وكانت له أيضاً هناك ضيعة، قال: فلما رآني خرج علي واستبشر بلقائي، فقلت له على البداهة مداعباً له:
من أين أقبلت يا من لا شبيه له ... ومن هو الشمس، والدنيا له فلك
قال فتبسم وأجاب بسرعة:
من منزل يعجب النساك خلوته ... وفيه ستر على الفتاك إن فتكوا
قال: فما تمالكت أن قبلت يده، إذ كان شيخي، ومجدته، ودعوت له و " القوطية "" بضم القاف وسكون الواو وكسر الطاء المهملة وتشديد المثناة من تحت وبعدها هام " جدة جد نسبة إلى قوط بن حام بن نوح عليه السلام، وقوط أبو السودان والهند والسند، وكانت القوطية المذكورة وفدت إلى هشام بن عبد الملك في الشام متظلمة من عمها، فتزوجها عيسى بن مزاحم، وسافر بها إلى الأندلس.
[ثمان وستين وثلاثمائة]
فيها توفي أبو سعيد الحسين بن عبيد الله. وقال بعضهم: ابن عبد الله بن المرزباني السيرافي النحوي. كان من أعلم الناس بنحو البصريين، وشرح كتاب سيبويه، وأجاد فيه، وشرح مقصورة ابن دريد، وله تصانيف أخرى، وتصدر لإقراء القراءات والنحو واللغة والفقه والفرائض والحساب والكلام والشعر والعروض والقوافي، وكان نزهاً عفيفاً جميل