وتولى هو بعد البرامكه وزاره الرشيد، وفي ذلك يقول أبو نواس:
ما دعى الدهر آل برمك لما ... أن رمى ملكهم بأمر فظيع
إن دهراً لم يرع عهداً ليحيى ... غير راع ذمام آل ربيع
ومات الرشيد، والفضل مستمر على وزارته، فكتب إليه أبو نواس يعزيه بالرشيد ويهنئة بولاية ولده الأمين:
تعز أبا العباس عن خير هالك ... بأكرم حي كان، أو هو كائن
حوادث أيام، يدور صروفها ... لهن مساوي مرة ومحاسن
وفي الحي بالميت الذي غيب الثرى ... فلا أنت مغبون ولا الموت غابن
وفي السنة المذكورة توفيت السيدة الكريمه صاحبة المناقب الجسيمة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم، صاحبة المشهد الكبير المفخم الشهير بمصر، دخلت إليها مع زوجها إسحاق بن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه وعن الجميع، وقيل: بل مع أبيها الحسن، وكانت نفيسة من النساء الصالحات. ويروى أن الإمام الشافعي لما دخل مصر، حضر عندها، وسمع عنها الحديث، ولما توفي، أدخلت جنازته إليها، فصلت عليه في دارها، وكانت في موضع مشهدها اليوم، ولم تزل به إلى أن توفيت في شهر رمضان من السنة المذكورة، ولما ماتت عزم زوجها إسحاق بن جعفر على حملها إلى المدينة ليدفنها هناك، فسأله المصريون بقاءها عندهم، فدفنت في الموضع المعروف بها اليوم بين القاهرة ومصر، وكان يعرف ذلك المكان بدرب السباع، فخرب الدرب ولم يبق هناك سوى المشهد، وقبرها معروف مزور مشهور، قيل: الدعاء عنده مستجاب رضي الله تعالى عنها.
قلت: وقد قصدت زيارة مشهدها، فوجدت عنده عالماً من الرجال والنسوان والصحاح والعميان، ووجدت الناظر جالساً على الكرسي، ققام لي، وأنا لا أعرفه، فمضيت للزيارة، ولم ألتفت إليه، ثم بلغني أنه عتب علي، فأجبته بما معناه: إني غير راغب في الميل إلى أولي الحشمة والمناصب.
[تسع ومائتين]
فيها توفي عثمان بن عمر بن فارس العبدي البصري الرجل الصالح ويعلى بن