عبيد الطنافسي، والحسن بن موسى الأشيب بالشين المعجمة وبعدها مثناة من تحت ثم
وفي السنة المذكورة، وقيل في سنة إحدى عشرة، وقيل ثلاث عشرة، وقيل ست عشرة مائتين، توفي الإمام العلامة معمر بن المثنى التيمي، تيم قريش مولاهم أبو عبيدة. قال الحافظ: لم يكن في الأرض خارجي ولا جماعي أعلم بجميع العلوم منه، وقال ابن قتيبة في العوارف: كان الغريب وأخبار العرب وأيامها أغلب عليه، وكان مع معرفته، ربما لم يقم لبيت من الشعر، بل يكسره، وذكر فيه أشياء مما تقدح فيه، قال: وكان يرى رأي الخوارج.
وذكر غيره أن هارون الرشيد أقدمه من البصرة إلى بغداد سنة ثمان وثمانين ومائة، وقرأ عليه بها شيئاً من كتبه، وأسند الحديث إلى هشام بن عررة وغيره، وروى عن علي بن المغيرة، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو عثمان المازني، وأبو حاتم السجستاني، وعمر بن شعبة النميري وغيرهم، وقال أبو عبيدة: أرسل إلي الفضل بن الربيع إلى البصرة في الخروج إليه، فقدمت عليه، وكنت أخبر عن تحيره، فأذن لي، فدخلت عليه وهو في جلس طويل عريض، فيه بساط واحد قد ملىء وفي صدره فرش عالية لا يرتقى عليها إلا كرسي، وهو جالس على الفرش، فسلمت عليه بالوزارة، فرد وضحك إلي، واستدناني من فرشه، ثم سألني وبسطني وتلطف بي وقال: فأنشدني، فأنشدته من عيون أشعار جاهلية أحفظها، فقال: قد عرفت أكثر هذه، وأريد من مليح الشعر، فأنشدته، فطرب وضحك وزاد شاطاً، ثم دخل رجل في زي الكتاب، وله هيئة حسنة، فأجلسه إلى جانبي، وقال: أتعرف هذا؟ قلت: لا، فقال: هذا أبو عبيدة، علامة أهل البصرة، قدمنا لنستفيد من علمه، فدعا له لرجل، ثم التفت إلي وقال لي: كنت إليك مشتاقاً، وقد سألت عن مسألة، أفتأذن لي أن أعرفك إياها؟. قلت: هات، فقال: قال الله تعالى: " طلعها كأنه رؤوس الشياطين ":) الصافات: ٦٥، (وإنما وقع الوعد والإيعاد بما قد عرف، وهذا لم يعرف، قال، فقلت: إنما كلم الله العرب على قدر كلامهم، أما سمعت قول امرىء القيس:
أتقتلني، والشر في مضاجعي ... ومسنونه زرق كأنياب أغوال
وهم لم يروا الغول قط، ولكنه لما أمر الغول بهولهم أو عدوا به، فاستحسن الفضل والسائل في ذلك، وأزمعت منذ ذلك اليوم أن ضع كتاباً في القرآن لمثل هذا وأشباهه، وما يحتاج إليه من علمه، فلما رجعت إلى البصرة، عملت كتابي الذي سميته " المجاز "، وسألت عن الرجل، فقيل لي: هو من كتاب الوزير وجلسائه.