لأغمده. هكذا ذكر هذه الواقعه الواقدي، والله أعلم، وممن رثاه به أخوه متمم قوله:
لقد لامني عند القبور على البكاء ... فبقي لتذراق الدموع السوافك
فقالوا: أتبكي كل قبر رأيته ... لقبر ثوى بين اللوى والدكادك
فقلت له: إن الشجي يبعث الشجى ... فدعني، فهذا كله قبر مالك
قلت: وقد تقدمت الإشارة إلى أن هذه الأبيات يستشهد بها المجنون وأرباب الشجون على أن الشجى يبعث الشجي، وكان قبر كل هالك قبر مالك، وكأن سائر الأشجان، على بابه شجون كل إنسان.
[ثمان وثلاثين ومائتين]
فيها: أقبلت الروم في البحر في ثلاث مائة مركب واهبة عظيمة، فكبسوا دمياط وسبوا وأحرقوا وأسرعوا الكرة في البحر، فأسروا ست مائة امرأة.
وفيها توفي الإمام عالم المشرق المحدث إسحاق بن راهويه الحنظلي المروزي النيسابوري الحافظ. روي أنه كان يحفظ سبعين ألف حديث، ويذاكر بمائة ألف ألف حديث، وقال: ما سمعت شيئاً قط إلا حفظته، ولا حفظت شيئاً فنسيته، وجمع بين الحديث والفقه والورع.
وذكره الدارقطني فيمن روى عن الشافعي، وعده البيقهي في أصحاب الشافعي، وقد ناظر الشافعي في جواز بيع دور مكة، وقد استوفى، فخر الدين الرازي صورة ذلك المجلس في كتابه " مناقب الشافعي "، فلما عرف إسحاق فضله نسخ كتبه وجميع مصنفاته بمصر.
وقال الإمام أحمد: إسحاق عندنا من أئمه المسلمين، وكان قد رحل إلى الحجاز والعراق واليمن والشام، وسمع من سفيان بن عيينة وطبقته، ومنه سمع البخاري ومسلم والترمذي، وعمر قريباً من ثمانين سنة، ولقب أبوه براهويه، لأنه ولد في طريق مكة، والطريق بالفارسية " راه ويه " معناه: وجده، فكأنه وجده في الطريق.
وفيها توقي أبو علي النيسابوري الحافظ، رحل وأكثر عن أبي بكر بن عياش وابن عيينة وطبقتهما، وعرض عليه قضاء نيسابور، فاختفى، ودعا الله فمات في اليوم الثالث رحمة الله عليه.
وفيها توفي عبد الملك بن حبيب، مفتي الأندلس، مصنف " الواضحة ".
وفيها توفني عبد الرحمن بن الحكم بن هشام صاحب الأندلس، وقد نيف على الستين وكانت أسامه إثنتين وثلاثين سنة وكان محمود السيرة عادلاً جواداً مفضلاً، له نظر