وفيها توفي الفارقاني شمس الدين أقسنقر الظاهري أستاذ دار الملك الظاهر. جعله الملك السعيد نائبه، فلم ترض خاصة السعيد بذلك، ووثبوا على الفارقاني واعتقلوه، ولم يقدر السعيد على مخالفتهم، فقيل: إنهم خنقوه، وكان وسيماً جسيماً شجاعاً نبيلاً ذا خبرة ورأي، ومهابة ووقار، وفيه ديانة وايثار.
وفيها توفي الأديب البارع نجم الدين محمد بن نوار الشيباني الدمشقي الفقير صاحب الحريري، المعروف بابن إسرائيل، كان روح المشاهد، وريحانة المجامع فقيراً ظريفاً نظيفاً لطيفاً مليح النظم، رائق المعاني، وبعض الفقهاء ينكر عليه، ويقول: في بعض نظمه التصريح، وفي بعضه التلويح بالإلحاد.
وفيها توفي شيخ الحنفية قاضي القضاة أبو الفضل سليمان بن أبي العز الأذرعي أحد من انتهت إليه رياسة المذهب في زمانه.
وفيها توفي ابن حباء الوزير الأوحد الشهير علي بن محمد المصري الكاتب الملقب بهاء الدين أحد رجال الدهر حزماً ورأياً وجلالة ونبلاً وقياماً بأعباء الأمور مع الدين والفقه، والسيرة الحميدة، والمحاسن العديدة، والثروة الكثيرة، والفتوة الشهيرة ابتلى بفقد ولديه الصدر بن فخر الدين، ومحي الدين، فصبر وتجلد، وله من المناقب والمفاخر حظ وافر كثير.
[سنة ثمان وسبعين وست مائة]
فيها اختلف خواص الملك السعيد عليه، وخرج بعضهم عن الطاعة، وتابعه نحو أربع مائة من الظاهرية، فعسكر بالقطيفة ينتظر الجيش الذين ساروا للإغارة على بلاد " سيس " مع الأمير سيف الدين قلاوون، فقدموا ونزل الكل في بعض المنازل، وراسلوا الملك السعيد، ثم اجتمع مقدم الخارجين عن الطاعة سيف الدين قلاوون، وغيره من كبار الجيش، وأفسد نياتهم، واستمروا كلهم إلى مصر، فسار وراءهم، وبعث خزاينه إلى الكرك، ثم دخل قلعة القاهرة بعد مناوشة وحروب، قتل جماعة، ثم حاصروه بالقلعة حتى ذل لهم، وخلع نفسه من السلطنة، وقنع بالكرك، ورتبوا في السلطنة أخاه سلامش بالسين المهملة في أوله والمعجمة في آخره، وعمره سبع سنين، وجعلوا أتابك سيف الدين قلاوون، وجعل نيابة دمشق لسنقر الأشقر، ثم ترتب في السلطنة الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي في الحادي والعشرين من رجب من غير نزاع ولا قتال، ولا اختلف عليه اثنان، وحلف له