تخيل لي فكري إذا كنت خاليًا ... ركوبي على الأعناق والسير أعناق
ويذكرني مر النسيم وروحه ... ضمائر يعلوها من الترب أطباق
وها أنا في إحدى وتسعين حجة ... لها في إرعاد مخوف وإبراق
يقولون ترياق لمثلك نافع ... وما لي إلا رحمة الله ترايق
ولما توفي نزل الناس بموته درجة في القراءات، وفي الحديث لأنه أخر من سمع ممن هو أعلى أهل عصره سندًا.
وفيها توفي الملك الظاهر صاحب حلب أبو الفتح غازي بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، كان ملكًا عظيمًا مهييًا حازمًا متيقظًا، كثير الاطلاع على أخبار الملوك، وأحوال رعيته، عالي الهمة، حسن التدبير والسياسة، باسط العدل، ملقبًا بغياث الدين، محباً للعلماء مجيزًا للشعراء، ويحكي من سرعة ادراكه أشياء حسنة، منها أنه جلس يومًا فعرض العسكر، وكلما حضر واحد من الأجناد سأله الديوان عن اسمه، حتى حضر واحد، فسألوه، فقبل الأرض، فلم يفطن أحد منهم لما أراد فأعادوا سؤاله، فقال الملك الطاهر: اسمه غازي، وكان كذلك وإنما لم يذكر اسمه أدباً لكونه موافقًا الاسم السلطان المذكور. وفيها توفي الفقيه الإمام معين الدين محمد بن إبراهيم السهيلي الشافعي مؤلف الكافية في الفقه في مجلد، كان إمامًا فاضلاً متفننًا مبرزًا، وله كتاب ايضاح الوجيز في مجلدين أحسن فيه، وله طريقة مشهورة في الخلاف والقواعد المشهورة المنسوبة إليه، واشتغل عليه الناس، وانتفعوا به وبكتبه من بعده خصوصًا القواعد، فإن الناس أكبوا على الاشتغال بها، توفي بكرة يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رجب من السنة المذكورة.
وفيها توفي العز محمد بن الحافظ عبد الغني المقدسي، سمع وكتب الكثير وارتحل، وكان حافظًا فقيهًا ذا فنون ومروءة تامة، وديانة متينة، موصوفًا بحسن القراءات وجودة الفهم.
[سنة أربع عشرة وست مائة]
فيها سار خوارزم شاه في أربع مائة ألف راكب إلى أن وصل همدان قاصدًا بغداد ليتملكها، ويحكم على الناصر لدين الله، فاستعد الناصر، وفرق الأموال والسلاح وراسله، فلم يلتفت إليه، قال الرسول: أدخلت إليه في خيمة عظيمة لم أر مثل دهيلزها،