وكان يقول: الجوع للمريدين رياضة، وللتائبين تجربة، وللزهاد سياسة، وللعارفين مكرمة، والوحدة جليس الصديقين، والفوت أشد من الموت، لأن الفوت انقطاع عن الحق، والموت انقطاع عن الخلق. والزهد ثلاثة أشياء القلة، والخلوة والجوع، وذكره الخطيب في تاريخ بغداد فقال: قدم بغداد واجتمع إليه بها مشائخ الصوفية والنساك، ونصبوا منصبه، وأقعدوه عليها، وقعدوا بين يديه يتحاورون، وكان له اشارات وعبارات حسنة.
ومن كلامه أحسن الأشياء الكلام الحسن حسن، وأحسن من الكلام معناه، وأحسن من معناه استعماله، وأحسن من استعماله ثوابه، وأحسن من ثوابه رضا من يعمل له.
ودخل على علوي ببلخ زائراً له ومسلمًا عليه، فقال له العلوي: أيده الله الأستاذ ماتقول فينا أهل البيت؟ قال: ما أقول في طين عجن بماء الوحي، وغرس بماء الرسالة، فهل يفوح منهما إلا مسك الهدى وعنبر التقى؟ فحشا العلوي فاه بالدر.
ومن كلامه ما بعد طريق إلى صديق، ولا استوحش من سلك فيه إلى حبيب في طريق وقال: من لم ينظر في الدقيق من الورع لم يصل إلى الجليل من العطاء، وقال: ليكن حظ المؤمن منك ثلاث خصال: إن لم تنفعه، فلا تضره، وإن لم تمدحه، فلا تذمه، وإن لم تسره، فلا تغمه، وقال: عمل كالسراب؟ وقلب من التقوى خراب، وذنوب بعدد الرمال والتراب، ثم تطمع في الكواعب الأتراب، هيهات! أنت سكران بغير شراب، ما أكملك لو بادرت أملك، ما أجلك، ولو بادرت أجلك، وله في هذا الباب كلام مليح النظام.
[سنة تسع وعشرين وست مائة]
فيها توفي السلطان جلال الدين خوارزم شاه ابن السلطان علاء الدين، كان يضرب به المثل في الشجاعة والإقدام، كثير الجولان في البلاد ما بين الهند إلى ما وراء النهر، إلى العراق، إلى فارس، إلى كرمان، إلى أرمينية، وأذربيجان وغير ذلك، وافتتح المدن، وسفك الدماء، وظلم وعسف وغدر، قالوا: ومع ذلك كان صحيح الإسلام، وكان ربما قرأ في المصحف، وبكى وآل أمره إلى أن تفرق عنه جيشه، حتى يقال: إنه سار في نفر يسير فبيته كردي في منزله، وطعنه بحربة وقتله بها.
وفيها توفي الحافظ أبو موسى عبد الله ابن الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله.
وفيها توفي العلامة المتقن الموفق عبد اللطيف بن يوسف البغدادي الشافعي النحوي اللغوي الطبيب الفيلسوف، وصاحب التصانيف الكثيرة، كان أحد الأذكياء البارعين في اللغة