فنشر علمه يقوم مقام كل نسب، ويغني عن كل سبب مكتسب. قلت: ومن المشهور المذكور في بعض التواريخ وغيرها أن والده الشيخ أبا محمد كان في أول أمره ينسخ بالأجرة، فاجتمع له من كسب يده شيء اشترى به جارية موصوفة بالخير والصلاح، ولم يزل يطعمها من كسب يده أيضاً إلى أن حبلت بإمام الحرمين وهو مستمر على تربيتها بمكتسب الحلال فلما وضعته، أوصاها أن لا تمكن أحداً من إرضاعه، فاتفق أنه دخل عليها يوماً وهي متألمة، والصغير يبكي، وقد أخذته امرأة من جيرانهم، وشاغلته بثديها فرضع منها قليلاً فلما رآه شق عليه، وأخذه إليه، ونكس رأسه، ومسح على بطنه، وأدخل إصبعه في فيه، ولم يزل يفعل ذلك حتى قاء جميع ما شربه، وهو يقول: يسهل علي أن يموت، ولا يفسد طبعه بشرب لبن غير أمه. ويحكى عن إمام الحرمين أنه كان يلحقه في بعض الأحيان فترة في مجلس المناظرة، فيقول: هذا من بقايا تلك الرضاعة، ومولده في ثاني عشر المحرم، سنة تسع عشرة وأربع مائة، ولما مرض حمل إلى قرية من أعمال نيسابور، موصوفة باعتدال الهواء وخفة الماء، فمات بها، ونقل إلى نيسابور، ودفن في داره، ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين كما تقدم ودفن بجنب أبيه، وصلي عليه ولده أبو القاسم، وأكثر الشعراء المراثي، ومما رثي به:
قلوب العالمين على المعالي ... وأيام الورى شبه الليالي
أيثمر غصن أهل الفضل يوماً ... وقد مات الإمام أبو المعالي؟
[سنة تسع وسبعين واربع مائة]
فيها نزل تتش حلب، ثم أخذها. وساق السلطان ملك شاه من أصبهان فقدم حلب، وخافه أخوه تتش، فهرب. وفيها وقعة الزلاقة، وذلك أن ملك الإفرنج جمع الجيوش، فاجتمع المعتمد يوسف بن تاشقين أمير المسلمين والمطوعة، فأتوا الزلاقة من عمل بطليو، فالتقى الجمعان، فوقعت الهزيمة على أعداء الله تعالى، وكانت ملحمة عظيمة في أول جمعة من رمضان، وجرح المعتمد عدة جراحات شديدة، وطابت الأندلس، فعمل الأمير ابن تاشقين