وفيها توفي الفقيه الإمام أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني المصري الشافعي.
وكان زاهداً عابداً مجتهداً محجاجاً غواصاً على المعاني الدقيقة، اشتغل عليه خلق كثير، وقال الشافعي في صفة المزني: ناصر مذهبي. وهو إمام الشافعيين وأعرفهم بطريق الشافعي وفتاواه وما ينقله عنه. صنف كتباً كثيرة منها:" الجامع الكبير "، و " الجامع الصغير "، و " مختصر المختصر "، و " المنثور "، و " المسائل المعتبرة "، و " الترغيب في العلم "، " وكتاب الوثائق "، وغير ذلك. وكان إذا فرغ من مسألة وأودعها مختصره قام إلى المحراب، وصلى ركعتين شكراً لله تعالى. وقال أبو العباس بن شريح: يخرج مختصر المزني من الدنيا عذراء لم تفتض. وهو أصل الكتب المصنفة في مذهب الشافعي، وعلى مثاله رتبوا وبكلامه فسروا وشرحوا.
ولما ولي القضاء بكار بن قتيبة بمصر، وجاءها من بغداد، وكان حنفي المذهب، توقع الإجتماع بالمزني مئة فلم يتفق، واجتمعا يوماً في صلاة جنازة فقال القاضي بكار لبعض أصحابه: سل المزني شيئاً حتى أسمع كلامه، فقال له ذلك الشخص: يا أبا إبراهيم، قد جاء في الحديث تحريم النبيذ، وجاء تحليله، فلم قدمتم التحريم على التحليل؟. فقال المزني: لم يذهب أحد من العلماء إلى أن النبيذ كان حراماً في الجاهلية ثم حلل، ووقع الإتفاق على أنه كان حلالاً، فهذا يعضد صحة الأحاديث بالتحريم، فاستحسن ذلك منه وقيل: وهذا من الأدلة القاطعة.
وكان في غاية من الورع، وبلغ من احتياطه أنه كان يشرب في جميع فصول السنة من
كوز نحاس، فقيل له في ذلك فقال: بلغني أنهم يستعملون السرجين في الكيزان، والنار لا بطهر ذلك، وقيل: إنه إذا كان فاته الصلاة في جماعة، صلى منفرداً خمساً وعشرين صلاة استدراكاً لفضيلة الجماعة، مستنداً في ذلك إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين درجة "، وكان من الزهد على طريقة صعبة شديدة، وكان مجاب الدعوة، ولم يكن أحد من أصحاب الشافعي يحدث نفسه قدم عليه في شيء من الأشياء، وهو الذي تولى غسل الشافعي، وقيل: كان معه أيضاً الربيع، ومناقبه كثيرة. والمزني نسبة إلى مزينة بنت كلب، وفاته لست بقين من رمضان، ودفن بالقرب من تربة الشافعي بالقرافة الصغرى رحمة الله عليهما.
[خمس وستين ومائتين]
فيها توفي الشيخ الكبير العارف بالله الشهير أبو حفص الحداد النيسابوري، شيخ