قاضياً مدرساً. وفيها توفي محمد بن يوسف البحراني الشاعر المشهور، وكان إماماً مقدماً في علم العربية متفنناً في أنواع الشعر، من أعلم الناس بالعروض والقوافي، وأحذقهم بنقد الشعر وأعرفهم بجيده من ردئيه، واشتغل بشيء من علوم الأوائل، وحل كتاب إقليدس، وبدأ بنظم الشعر وهو صبي صغير بالبحرين جرياً على عادة العرب قبل أن ينظر في الأدب. وكان قد رحل إلى شهرزور، وأقام بها مدة، ثم رحل إلى دمشق وخدم السلطان صلاح الدين رحمه الله تعالى بقصيدة طويلة، وله ديوان شعر جيد ورسائل حسنة، ومن شعره قصيدة مدح بها أبا المظفر صاحب إربل، من جملتها هذه الأبيات.
رب دار بالفضا طال بلاها ... عكف الركب عليها فبكاها
درست إلا بقايا أسطر ... سمح الدهر بها ثم محاها
كان لي فيها زمان وانقضى ... فسقى الله زماني وسقاها
والبحراني نسبة إلى البحرين: وهي بليدة بالقرب من هجر. قال الأزهري: وإنما سمي البحرين لان في ناحية قراها بحيرة على باب الأحساء، وقرى هجر بينها وبين البحر الأخضر عشرة فراسخ، وقدرت البحيرة ثلاثة أميال في مثلها، وعن أبي محمد اليزيدي قال: سألني المهدي وسأل الكسائي عن النسبة إلى البحرين وإلى الحصنين، ثم قالوا: حصني وبحراني، فقال الكسائي: كرهوا أن يقولوا: حصناني لاجتماع النونين، قال: وقلت أنا: كرهوا أن يقولوا بحري، فيشبه النسبة إلى البحر.
[سنة ست وثمانين وخمس مائة]
فيها توفي الحافظ الكبير أبو المواهب الحسن بن هبة الله المحفوظ ابن صصري الدمشقي، سمع من الحافظ ابن عساكر وغيره، وتخرج به، وسمع بالعراق وهمدان وأصبهان والجزيرة والنواحي من شيوخ فيها، وبرع في هذا الشأن، وجمع وصنف مع الثقة والجلالة والكرم والرئاسة. وفيها توفي الحافظ النحوي محمد بن عبد الله الفهري الاشبيلي، برع في الفقه والعربية، وانتهت إليه الرئاسة في الحفظ والفتيا.