يحج ركب بغداد في تلك السنة. وفيها توفي الحافظ أبو عبد الله بن الفخار القرطبي، شيخ المالكية وعالم الأندلس.
وكان زاهداً عابداً ورعاً متألهاً عارفاً بمذاهب العلماء، واسع الدائرة حافظاً للمدونة عن ظهر قلب، والنوادر لابن أبي زيد، مجلب الدعوة. قال القاضي عياض: كان أحفظ الناس وأحضرهم علماً، وأسرعهم جواباً، وأوقفهم على اختلاف العلماء وترجيح المذاهب، حافظاً للأثر، مائلاً إلى الحجة والنظر رحمه الله تعالى. وفيها توفي عبد المحسن بن محمد المعروف بابن غلبون، الصوري الشاعر المشهور، أحد البارعين الفضلاء المجيدين الأدباء. ومن نظمه:
عندي حدائق سكر غرس جودكم ... قد مسها عطش فليسق من غرسا
تداركوها، وفي أغصانها ورق ... فلن يعود اخضرار العود إن يبسا
[سنة عشرين واربع مائة]
فيها وقع برد عظيم إلى الغاية في الواحدة أربعة أرطال بالبغدادي، حتى قيل إن بردة وجدت تزيد على قنطار، وقد نزلت في الأرض نحواً من ذراع، وذلك بأرض النعمانية من العراق، وهبت ريح لم يسمع بمثلها، قلعت الأصول الغائبة من الزيتون والنخيل. وفيها جمع القادر بالله كتاباً، فيه وعظ ووفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقصة ما جرى لعبد العزيز صاحب الحيدة بفتح الحاء والدال المهملتين وسكون المثناة من تحت بينهما وفي آخره هاء مع بشر المريسي، والرد على من يقول بخلق القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسب الرافضة، وغير ذلك. وجمع له الأعيان والعلماء ببغداد، فقرأ على الخلق، ثم أرسل الخليفة إلى جامع براثا بالموحدة وقبل الالذين راء وبينهما مثلثة وهو مأوى الرافضة من أقام الخطبة على السنة، فخطب، وقصر عما كانوا يفعلونه في ذكر علي رضي الله تعالى عنه، فرموه بالآجر من كل ناحية، فنزل وحماه