فنسأل الله الكريم التوفيق لسلوك منهج الهدى والسلامة من ارتكاب مسالك الزيغ الرديء، ومدائح أبي دلف كثيرة، وله أيضاً أشعار حسنة وكان أبوه شرع في عمارة مدينة الكرخ ثم أتمها هو وكان بها أهله وأولاده وعشيرته عفا الله عنه وعنا ورحمنا جميعاً وسامحنا.
وفيها توفي أبو عمرو إسحاق الجرمي العلامة النحوي، كان فقيهاً عالماً بالنحو واللغة، وهو من البصرة، فقدم بغداد، وأخذ النحو من الأخفش وغيره، ولقي يونس بن خبيب، ولم يلق سيبويه، أخذ اللغة من أبي عبيدة وأبي زيد الأنصاري والأصمعي وطبقتهم، وكان ديناً ورعاً حسن المذهب صحيح الإعتقاد، وله في النحو كتب جيدة، وناظر ببغداد الفراء، وروى الحديث، وحدث المبرد عنه. قال: قال لي أبو عمرو: قرأت ديوان الهذليين على الأصمعي، وكان أحفظ له من أبي عبيدة فلما فرغت منه قال لي: يا أبا عمرو، إذا فات الهذلي أن يكون شاعراً ورامياً أو ساعياً، فلا خير فيه، وقال المبرد: كان الجرمي أثبت القوم في كتاب سيبويه، وعليه قرأت الجماعة، وكان عالماً باللغة حافظاً لها، وله كتب انفرد بها، وكان جليلاً في الحديث والأخبار، وله كتب في السير عجيب و " كتاب غريب سيبويه "، و " كتاب العروض "، و " كتاب الأبنية "، و " مختصر في النحو ".
والجرمي:" بفتح الجيم وسكون الراء " نسبة إلى جرم، وفي العرب عدة قبائل، كل واحدة منها يقال لها جرم، منها من ينتسب إلى جرم بن علقمة بن أنمار، ومنهم من ينسب إلى جرم بن زبان، وذكر بعضهم أن الجرمي المذكور مولى جرم بن زبان.
[ست وعشرين مائتين]
فيها غضب المعتصم على أفشين، وسجنه وضيق عليه، ومنع من الطعام حتى مات أو خنق، ثم صلب إلى جانب بابك، قيل: أتي بأصنام من داره أتهم بعبادتها، فأحرقت، وكان أقلف متهماً في دينه، وخاف المعتصم منه أيضاً، وكان من أولاد الملوك الأكاسرة، واسمه حيدر بن كاؤس، وكان بطلاً شجاعاً مقداماً مطاعاً، ليس في الأمراء أكبر منه، وظفر المعتصم أيضاً بمازيار الذي فعل الأفاعيل بطبرستان وصلبه أيضاً إلى جانب بابك.