وفيها توفي الإمام أبو جعفر محمد بن أحمد الترمذي كبير الشافعية في العراق قبل ابن شريح، وكان زاهداً ناسكاً، قانعاً باليسير. قال الدارقطني: لم يكن للشافعية بالعراق أرأس ولا أورع منه، وكان صبوراً على الفقر، حدث عن جماعة كثيرة، منهم يحيى بن بكير المصري، وروى عنه جماعة، منهم أحمد بن كامل، وكان ثقة من أهل العلم والفضل، والزهد في الدنيا، والتقلل في المطعم، على حال عظيمة فقراً وورعاً وصبراً. روى بالإسناد أنه كان يقوت في سبعة عشر يوماً خمس حبات أو ثلاث حبات، فقيل له: كيف عملت؟ فقال: لم يكن عندي غيرها، فاشتريت بها لفتاً، فكنت آكل كل يوم واحدة.
وذكر أبو إسحاق الزجاج النحوي أنه كان تجري عليه في كل شهر أربعة دراهم، وكان لا يسأل أحداً شيئاً، وكان يقول: تفقهت على مذهب أبي حنيفة، فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد المدينة عام حججت فقلت: يا رسول الله، تفقهت بقول أبي حنيفة، فآخذ به؟ فقال: لا، فقلت: آخذ بقول مالك بن أنس. فقال: خذ منه ما وافق سنتي، قلت: فآخذ بقول الشافعي. فقال: ما هو يقوله. إلا أنه أخذ بسنتي، ورد علي من خالفها، قال: فخرجت في أثر هذه الرؤيا إلى مصر، وكتبت كتب الشافعي. هكذا ذكره جماعة من أهل الطبقات والتواريخ، منهم الشيخ الإمام أبو إسحاق الشيرازي، والقاضي الإمام ابن خلكان.
وقال الدارقطني: هو ثقة مأمون ناسك. وكان يقول: كتبت الحديث تسعاً وعشرين سنة.
وفيها توفي الحافظ أبو بكر محمد بن إسماعيل الإسماعيلي، أحد المحدثين الكبار بنيسابور. له تصانيف موجودة، ورحلة واسعة.
[ست وتسعين ومائتين]
فيها مات ابن المعتز، مات مخنوقاً، وذلك أنه لما دخلت هذه السنة، والملأ يستصعبون المقتدر، ويتكلمون في خلافته، فاتفق طائفة على خلعه، وخاطبوا عبد الله بن المعتز، فأجاب بشرط أن لا يكون فيها حرب. وكان رأسهم محمد بن داود الجراح، وأحمد بن يعقوب القاضي، والحسين بن حمدان، واتفقوا على قتل المقتدر، ووزيره العباس بن الحسين، وفاتك الأمير. فلما كان عاشر ربيع الأول، ركب الحسين بن حمدان والوزير والأمراء، فشد ابن حمدان على الوزير فقتله، فأنكر قتله فعطف على فاتك فألحقه بالوزير، ثم ساق ليثلث بالمقتدر وهو يلعب بالصوالجة، فسمع الهيعة فدخل الدار، وأغلقت الأبواب. ثم نزل ابن حمدان بدار سليمان بن وهب، واستدعى ابن المعتز، وحضر الأمراء