وقال: يا ولدي؛ ما اختارك الله لهذا الأمر إلا وأنت أهل له، ولا ينبغي أن تغير موضع السعادة. ولم يزل عنده حتى استقل صلاح الدين بمملكة البلاد - كما سيأتي في ترجمته - ثم خرج صلاح الدين إلى الكرك ليحاصرها، وأبوه بالقاهرة، فركب يوماً ليسير على عادة الجند فخرج من باب النصر - أحد أبواب القاهرة - فشبت به فرسه، فألقاه، وبقي متألفا أياماً، ثم توفي - رحمه الله تعالى -. وفيها توفي ملك النحاة أبو نزار الحسن بن صافي البغدادي. كان نحوياً بارعاً، أصولياً متكلماً، رئيساً ماجداً، قدم دمشق واشتغل بها، وصنف في الفقه والنحو والكلام، وعاش ثمانين سنة. وسمع الحديث، وقرأ مذهب الإمام الشافعي وأصول الدين على أبي عبد الله القيرواني، والخلاف على أسعد الميهن، وأصول الفقه على أبي الفتح بن برهان صاحب الوجيز والوسيط في أصول الفقه، وقرأ النحو على الفصيحي، والفصيحي قرأ على عبد القاهر الجرجاني صاحب الجمل الصغير، وسافر إلى خراسان وكرمان وغزنة، ورحل إلى الشام، واستوطن دمشق وتوفي بها. وله مصنفات كثيرة في الفقه والأصلين والنحو، وله ديوان شعر، ومدح النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقصيدة، ومن شعره:
سلوت بحمد الله عنها فأصبحت ... دواعي الهوى من نحوها لا أجيبها
على أنني لا شامتإن أصابهابلاء، راض لواش بعيبها
ولقب نفسه ملك النحاة وكان يسخط على من يخاطبه بغير ذلك وأخذ عنه جماعة ادباء كثيراً واتفقوا على فضله ومعرفته.
[سنة تسع وستين وخمس مائة]
فيها توفي الملك العادل نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي، كان ملكاً عادلاً زاهداً عابداً ورعاً متمسكاً بالشريعة مائلاً إلى الخير مجاهداً في سبيل الله كثير الصدقات، بنى المدارس في بلاد الإسلام الكبار مثل دمشق وحلب وبعلبك ومنبج والرحب، وبنى بمدينة الموصل الجامع النوري، وبحماة الجامع الذي على نهر العاصي، وجامع