عن ذلك المجلس، كما في الحديث. قال العلماء: انما قال صلى الله عليه وآله وسلم ذلك لصدق إيمانهما: هما وقوة يقينهما، وفي ذلك لهما فضل ظاهر، وما ورد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" ما فضلكم أبو بكر بكثرة صلاة، ولا صوم ولكن بشيء وقر في صدره " وما جاء أنه كان إذا تنفس يشم منه رائحة الكبد المشوية. واختلف في تسميته عتيقاً، فقيل لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:" من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى أبي بكر ". وقيل لجمال وجهه، وهو في نسبه يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرة بن كعب، وهو في العدد مثله بين كل واحد منهما وبين مرة ستة أباء، لأنه أبو بكر بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة وأمه سلمى وهي أم الخير بنت صخر بن عامر بن عمرو التيمية. ولد رضي الله عنه بعد عام الفيل بسنتين وأربعة أشهر إلا أياماً وهو أول من أسلم من الرجال رضي الله عنه، وكان خلافته سنتين وأشهراً، وولي الخلافة بعده عمر بن الخطاب باستخلافه له، فرضي المسلمون بذلك، ولم يختلف عليه اثنان. وفي السنة المذكورة توفي أمير مكة عتاب بن أسيد الأموي، واستعمله النبي صلى الله عليه وآله وسلم على مكة حين خروجه إلى حنين، فأقام للناس الحج تلك السنة.
[السنة الرابعة عشرة]
فتحت فيها دمشق في رجب صلحاً من أبي عبيدة وعنوة من خالد، ثم أمضيت صلحاً بعد أن حوصرت حصاراً طويلاً، وعزل عمر خالداً وجعل الأمر كله إلى أبي عبيدة بن الجراح، وخيف من فتنة تحدث من عزل خالد إذا بلغه الخبر، فلما بلغه ذلك قال: والله لو ولي علي عمر امرأة لسمعت وأطعت، فاستصوب ذلك منه واستحسن، وكان قد نفذه أبو بكر إلى العراق أميراً مقدماً لإقدامه وشجاعته، وعزله عمر لأنه كان يرد المهالك ويغدر بالمسلمين، ولأنه نازع أبا عبيدة وكان أميراً في الشام على المسلمين، وكان عمر يحب أبا عبيدة حباً شديداً، وكان يحفظ الغنائم مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم واصفاً له أمين هذه الأمة. مع كون عمر قد أشار على أبي بكر رضي الله عنهما: بتقديم خالد في حرب بني حنيفة، وإنما عزله بعد ذلك لرجحان مصلحة ظهرت له في أبي عبيدة، كان المسلمون