والمعافر والسحول وعدن ولحج وأبين، ومنه استفاد فقهاء هذه البلاد المذكورة، كانت مدرسته في سهفنة وكان تفقه وتعلم في ابتداء أمره في زبيد على بكر بن المصرف بمختصر المزني وبعض شروحه، وكان له رحلة إلى مكة سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، ولقي فيها أبا بكر أحمد بن ابراهيم المروزي، فأخذ عنه كتاب السنن عن أبي داؤد سليمان بن الأشعث، وسمع عنه موطأ الإمام مالك. وكان قد جمع مع الفقه والحديث والكلام وأصول الفقه علم القراءات ومعاني القرآن، وكان فقيهاً اجتمع عليه القريب والبعيد من البلاد وأخذ عنه العلم خلق كثير.
[سنة ثمان وثلاثين واربع مائة]
فيها توفي الشيخ الإمام الجليل القدر، مفتي الأنام، قدوة المسلمين وركن الاسلام، ذو المحاسن والمناقب العظام، والفضائل المشهورة عند العلماء والعوام، الفقيه الأصولي الأديب النحوي المفسر الشيخ أبو محمد الجويني عبد الله بن يوسف شيخ الشافعية، ووالد إمام الحرمين. قال أهل التواريخ: كان إماماً في التفسير والفقه والأصول والعربية والأدب، قرأ الأدب على أبيه أبي يعقوب يوسف بجوي، ثم قدم نيسابور، واشتغل بالفقه على أبي الطيب سهل بن محمد الصعلوكي، ثم انتقل إلى أبي بكر القفال المروزي، واشتغل عليه بمرر، ولازمه واستفاد منه، وانتفع عنه، وأتقن عليه المذهب والخلاف، وقرأ عليه طريقته، وأحكمها. فلما لخرج عليه عاد إلى نيسابور، وتصدى للتدريس والفتوى، وتخرج عليه خلق كثير، منهم ولده إمام الحرمين، وكان مهيباً لا يجري بين يديه إلا الجدل والبحث والتحريض على التحصيل. له في الفقه تصانيف كثيرة الفضائل، مثل التبصرة والتذكرة ومختصر المختصر والفرق والجمع والسلسلة وموقف الإمام والمأموم، وغير ذلك من التواليف، وله التفسير الكبير المشتمل على عشرة أنواع في كل آية. وقال الإمام عبد الواحد بن عبد الكريم القشيري: كان أئمتنا في عصره، والمحققون من أصحابنا يعتقدون فيه من الكمال والفضل والخصال الحميدة ما أنه لو جاز أن يبعث الله تعالى نبياً في عصره لما كان إلا هو، من حسن طريقته وورعه وزهده وديانته وكمال فضله رضي الله تعالى عنه سمع الحديث الكثير، وتوفي في ذي القعدة من السنة المذكورة، وقيل قي سنة أربع وثلاثين وأربعمائة بنيسابور والله أعلم. وقال الشيخ أبو صالح المؤذن: مرض الشيخ أبو محمد الجوينى سبعة عشر يوماً،