عليه، قال له: ما قلنا لك ما عندنا خدمة تصلح لك سوى قطع الحلفاء، فاستغفر الله، وعاد، ما كان عليه، وكان ابن الصباغ المذكور جليلاً، وناهيك لجلالته أن الشيخ الكبير الجليل القدر الشهير أبا عبد الله القرشي لما مات شيخه أصابته وحشة، فذهب إليه، وتأنس به رضي تعالى عنه مع الجميع منهم ونقضا بهم.
[سنة ثلاث عشرة وست مائة]
فيها قيل: وقع بالبصرة برد أصفر كالتارنجة الكبيرة، وأكبره ما يستحيي الإنسان أن يذكره وفيها: توفي العلامة تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي المعروف البغدادي المولد والمنشأ والدمشقي الدار: والوفاة النحوي اللغوي المقري أكمل القراءات العشرة وله عشرة أعوام.
قال بعضهم: وهذا ما لا أعلمه تهيأ لأحد سواه أتقن القراءات والعربية على جماعة، وقال الشعر الجيد، ونال الجاه الوافر، فإن الملك المعظم كان قديم الاشتغال عليه، وكان ينزل من القلعة إليه، وكان أوحد عصره في فنون الأدب وعلو السماع، لقي جلة المشائخ، وأخذ عنهم، منهم الشريف أبو السعادات بن الشجري وأبو محمد بن الخشاب، وأبو منصور بن الجواليقي استوطن بدمشق بعد أسفار سافرها، وقصده الناس، وأخذوا عنه، وله كتاب نسخه على حروف المعجم قال ابن خلكان: أخبرني أحد أصحابه أنه قال: كنت قاعدًا على باب ابن الخشاب النحوي ببغداد، وقد خرج من عنده الزمخشري الإمام المشهور، وهو يمشي في خشب لأن احدى رجليه كانت سقطت من الثلج، والناس يقولون: هذا الزمخشري ونقل من خطه قال: كان الزمخشري أعلم فضلاء العجم بالعربية في زمانه، وبه ختم الله فضلاؤهم وكان محققاً بالاعتزال ورأيته عند شيخنا ابن الجواليقي مرتين قارئًا بعض كتب، اللغة من فواتحها، مستجيزا لها لأنه لم يكن له على ما عنده من العلم لقاء ولاراوية ولأبي اليمن شعر من جملته قوله، حين طعن في السن:
أرى المرء يهوى أن تطول حياته ... وفي طولها إرهاق ذل وإزهاق
تمنيت في عصر الشبيبة أنني ... أعمر والأعمال لا شك أرزاق
فلما أتاني ما تمنيت ساءني ... من العمر ما قد كنت أهوى وأشتاق